عادة حميدة دأبت عليها مؤسسة «سيغما كونساي» لصاحبها حسن الزرقوني وتتمثل في إصدار نتائج المعاينات الميدانية للمشاهدة التلفزية في تونس... آخر هذه الإحصائيات ما قامت به في الفترة ما بين 3 و10جويلية الماضي وتم في محيط «تونس الكبرى». هذا الرصد الميداني الذي يخضع لقوانين معينة ولفلسفة في الإحصاء إضافة لأخلاقيات مهنية يقوم في بلانا ليس على معرفة اهتمامات المواطن/ المشاهد لغرض دراسة البرامج التلفزية وصداها، بل لمعاينة هذه الاهتمامات لغرض إستشهاري بحت.. بالتالي يجب أن يؤخذ هذا الرصد ونتائجه على حقيقتهما التجارية وأن هذا لا يقلل من صدقيتهما، بل يضعهما في إطارهما الحقيقي... وفي موضوع هذه الممارسة الإحصائية وما مدى مصداقيتها، سبق أن سأل نواب من اللجنة الأولى الحكومة (ممثلة في وزارة الإتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين) عن كيفية إقامتها وتقييما (سؤال رقم 6)، فكان جواب الوزارة أنها تقوم على طريقتين. إحداهما، والتي تستعملها «سيغما»، تقوم على كنش المتابعة. تتمثل هذه الطريقة في توزيع كنش المشاهدة على مجموعة من العائلات في تونس الكبرى بالأساس وبعض ولايات الجمهورية شهريا ويتولى المراقب (سوبرفيزور) زيارة العائلة أسبوعيا للسهر على حسن تعمير الكنش، ويتضمن الكنش جدولا يشمل اسم القناة التي تمت مشاهدتها واسم البرنامج الذي تمت متابعته وتوقيت البث» (ص 6 من أجوبة وزارة الاتصال في نوفمبر 2007 حول مشروع ميزانية الدولة 2008). وهذه وسيلة، وإن كانت بدائية نوعا ما، معروفة ومعمول بها في عديد دول العالم. يبقى أن نسبة الممارسة التقليدية بها كبيرة وكذلك هامش الأخطاء، وإن مأخوذة بعين الإعتبار. ثم هذه الاستطلاعات موجهة بالأساس إلى المؤسسات التجارية. ومؤسساتنا بخيلة وتقليدية... هناك إمكانيات أكثر دقة وأكثر نجاعة، ولكن تكاليفها أكبر من إمكانات السوق التونسية... تراجع التلفزات المحلية؟ تقول أرقام المعاينة الميدانية ان القناة الأولى التي حرصت العينة التونسية (2,600 فرد) على مشاهدتها هي القناة السعودية اللبنانية «أم، بي سي 4» بنسبة 17.8 في المائة، أي ما يقارب 427 ألف متفرج (1 في المائة يعادل 24 ألف نفر في تونس الكبرى) فيما تأتي القناة العمومية الأولى (تونس 7) في المرتبة الثانية بنسبة 13,6 في المائة، أي بعيدا عن القناة السعودية بفارق يزيد عن 4 نقاط (ما يقارب 11 ألف مشاهد) واحتلت القناة الخاصة «حنبعل» المكانة الثالثة بمعدل 10.2 في المائة (فارق 80 آلف متفرج بالنسبة للعمومية التونسية وأكثر من 182 ألف متفرج بالنسبة للخاصة السعودية-اللبنانية)... وقد أختار أزيد من 200 ألف تونسي متابعة القناة الإخبارية القطرية «الجزيرة»، مما جعلها تحتل المرتبة الرابعة قبل «ام، سي 2» (6,4 في المائة) وقناة روتانا سينما (6,3 في المائة)... أما قناة «نسمة تي في» ورغم حداثة عودة الحياة إليها، فإنها احتلت المرتبة السابعة بنسبة 5.7 في المائة، أي ما يقارب 157 ألف مشاهد... نلاحظ هنا غياب «تونس 21» من العشر الأوائل والأمر ينطبق كذلك على القنوات الفرنسية برمتها... فما بالك بالقنوات المغاربية؟ ذهنية التصوير الحجري حينما نعلم أن نسبة مشاهدة التلفزة لتلك الفترة كانت ب77 في المائة وان القنوات الخليجية مجتمعة جمعت 39 في المائة (936 الفا) مقابل 29.5 في المائة (708 الآف) للقنوات المحلية مجتمعة، بمعنى أن الفارق يقارب 10 نقاط (240 ألف مشاهد)، فإننا نلمس المنافسة الشرسة التي تجدها قنواتنا في جذب مشاهديها... وإن كان هذا التراجع مفهوما علميا لسبب انطلاق فصل الصيف ودخول مجتمعنا في نمط معيشي مغاير لا ولم تأخذه بعين الاعتبار تلفزاتنا (برمجتها، إنتاجاتها، إقتناءاتها)، فإن الطبيعة التلفزية تكره التكرار. فيهجر المواطن الشاشات الصغيرة المحلية إلى شاشات أخرى... ولأنها غير محلية، فقد تحمل توجهات ثقافية وسياسية وقد يعمل البعض منها «لمآرب أخرى» ضد التجانس الوطني... وهو ما يحمل الأطراف الإعلامية ببلادنا مسؤولية كبيرة... الصورة لم تعد اليوم أحادية المظهر والدلالة وأساليب رواجها تناسخت إلى ما لا نهاية ومراكز القوى في العالم تتخذها دائما مطية لسياسات تأثيرية. إلا أن فئة من العاملين في المشهد السمعي - البصري التونسي مازالت تعمل بذهنيات عصر التصوير الحجري (.../...).