تونس الصباح تكفي جولة قصيرة أمام بعض المعاهد الثانوية بالعاصمة لرصد الفرق بين تلاميذ اليوم وتلاميذ الأمس. جملة من التناقضات: وجوه بريئة وملامح طفولية تعكس هوسًا بتقليعات جديدة فيها أحيانًا من الغرابة الشيء الكثير، وتصبح في بعض الأحيان مبالغ فيها خاصة مع الانسياق وراء «الفيس» وهوس التجميل والتهافت على التسريحات المختلفة والملابس المثيرة وأحمر الشفاه والميدعات المبتكرة. المظهر الخارجي اليوم لفتيان وخاصة فتيات المعاهد الثانوية بات يطرح أكثر من تساؤل. فوسط غمرة التطور والانفتاح، من المسؤول اليوم عن المظهر الخارجي للتلاميذ؟ أضحى المظهر الخارجي أو ما يسمى «اللوك»، الهاجس الأول والاهتمام الوحيد لتلاميذ المعاهد الثانوية، ومع إلزامية المنديل للفتيات الذي تعتبره الكثير منهن «قيدًا لا بد منه»، نقف اليوم على صرعات المراهقين، هي صرعات يجسدها اهتمام مبالغ فيه بالمظهر الذي لا يتماشى في كثير من الأحيان مع خصوصية المؤسسة التربوية. حياة جديدة تعتبر بعض الفتيات أن حياة الثانوية تختلف عن نظيرتها الابتدائية، ففي اعتقادهن أنهن كبرن، ومن البديهي أن يتغيرن ويسايرن النمط الجديد.. وكأن الاهتمام بالمظهر جزء لا يتجزأ من حياة الثانوية. من هذا المنطلق بات الاهتمام المبالغ فيه بالمظهر أمرًا عاديًا بالنسبة إلى الكثيرات.. هبة، ابنة التسعة عشر ربيعًا، تعتبر أنه ليس من العيب إطلاقًا الاهتمام بالمظهر، مشيرة إلى أن أغلبية الفتيات بالمعهد يسايرن «الموضة» ومن الطبيعي أن يكنّ أنيقات خاصة أنهن تجاوزن حياة الابتدائية ومرحلة الطفولة.. مضيفة أنها تضع القليل من لماع الشفاه والكحل ولا أحد يعترض.. التكلف في التزين والمبالغة في الاهتمام بالمظهر الخارجي لم يعد حكرًا على المراهقات فحسب بل إن للذكور نصيبًا أيضًا.. فهم يتمعنون في اختيار ملابسهم ويتفننون أكثر في تسريحات الشعر.. إسكندر، 15 سنة، يدرس بالسنة التاسعة أساسي، يعتبر أن المظهر الخارجي اليوم مهم، وهو يعبّر عن شخصية المرء، كما أنه من الضروري أن نساير التطور مضيفًا أن الاهتمام بالمظهر لا يعني عدم الاكتراث بالدراسة.. دور العائلة يرى بعض المربين أن هذه المظاهر وغيرها من السلوكيات في المعاهد الثانوية اليوم، مردها عدم اهتمام وغياب الرقابة الكافية من طرف الأولياء، فالعائلة تتحمل المسؤولية الكاملة في ضبط سلوك الأبناء خاصة فيما يتعلق بمسألة اللباس. حياة، أستاذة أنقليزية بأحد المعاهد الثانوية، تحمّل الأولياء المسؤولية الكاملة، معتبرة أن دور الولي يبقى أساسيًا وفاعلاً في ضبط لباس محترم للتلميذ، مضيفة أن الإطار المدرسي وحده لا يستطيع أن يحل محل العائلة التي تتحمل الجزء الأكبر في ضبط سلوك التلاميذ اليوم. نفس الموقف يتبناه الأستاذ عماد الرقيق، أخصائي في علم النفس، حيث يؤكد أنه لا بد من مراقبة كافية من طرف الأولياء باعتبار أن تلاميذ المعاهد الثانوية يعيشون فترة مراهقة، لذا يشكل المظهر أهمية بالغة لديهم باعتباره عنصرًا فاعلاً في جلب الانتباه والانتماء للمجموعة، لذلك لا بد من وقفة حازمة للأولياء وللإطار التربوي. ويؤكد الدكتور عماد الرقيق على ضرورة الانضباط وفرض قوانين مؤطرة، مشيرًا إلى أن تغييرات اجتماعية كبيرة تقف وراء الاهتمام المبالغ بالمظهر لدى تلاميذ المعاهد الثانوية اليوم. التشبه بالنجوم يشير السيد بلعيد أولاد عبد اللّه، أخصائي في علم الاجتماع، أن مسألة المظهر الخارجي للتلاميذ، وبالتحديد الهندام والماكياج ونوعية الحلاقة هي امتداد للتنشئة الاجتماعية. وبالنسبة إلى الاهتمام المبالغ فيه من قبل التلاميذ بالمظهر الخارجي في المؤسسات التربوية، فغايته الأولى جلب الانتباه الذي يعدّ شكلاً من أشكال إبراز الذات أو الانتماء إلى فئة اجتماعية. كما يشير السيد بلعيد أولاد عبد اللّه إلى ظاهرة تأثر فتيات المعاهد بنجوم الفن كمحاولة للبروز وإثبات الذات في الفضاءات التربوية مما يجعل هذه الفضاءات مسرحًا لعرض الأزياء.