تونس الصباح تشهد محلات الفيديو هذه الأيام اهتمامًا ملحوظًا بفيلم مخرجته تونسية الأصل، ويعرض لصداقة بين مسلمة ويهودية والمصير المشترك بينهما... وقد مثلت فيه بعض الأسماء التونسية... الفيلم هو «أغنية المتزوجين» لكارين البو... عرض جل المطلعين على فيلم «أغنية المتزوجين» يحدثونك عنه بانفعال واضح، ففي مضمونه أكثر من مشهد مستفز ، وقد دافعت فيه صاحبته عن فكرة التسامح بين الديانات وضرورة إقرار ممارسات عادلة تجاه المنتمين لأديان مختلفة في تجمّع واحد. مسلمة ويهودية نور ومريم، فتاتان مراهقتان تقطنان بأحد الأحياء الشعبية البسيطة بتونس، تتشكل ملامح صداقتهما المتينة منذ الطفولة ولا تظهر الانقسامات سوى في الفترة التي يمارس فيها حسب الفيلم الجيش النازي الألماني ممارسات قسرية ظالمة على السكان التونسيين ممن يعتنقون اليهودية، حينها تتغيّر نظرة «نور» إلى صديقتها «مريم» وتطالبها بتقديم تبرير للسبب الذي يجعلها تذهب إلى المدرسة، فيما يمنعون المسلمة من ذلك. وتتأجج الخلافات حين يطلب خالد، خطيب نور من هذه الفتاة الممزقة بين حبها لصديقتها وما يمارسه عليها المجتمع من ضغط، أن تقاطع مريم، فتزداد تمزقًا. وصوّر الفيلم معاناة التونسيين اليهود في فترة الاحتلال النازي (نوفمبر 1942) حتى أن «تيتا» والدة مريم تتعرض في أحد المشاهد للاغتصاب في بيتها من قبل الجنود الألمان الذين داهموا بيتها... تظهر نور المسلمة باحثة عن الحرية، متمردة على التقاليد التي تنتقدها المخرجة وتسلط الضوء بشكل خاص على موضوع العذرية وحرية الممارسة الجنسية قبل الزواج. جمع الفيلم بين التقاليد الأصيلة لمجتمع الأربعينات في تونس وما طرأ عليه من متغيرات ألبسته حللاً غريبة عنه. فالطفلة «نور» تتكلم اللغة الفرنسية متأثرة بواقع الحياة في تلك الفترة، وتتعلم العربية فقط لتقرأ الآيات القرآنية، فيما تصبح مسألة التحرر الجسدي غير مرتبطة في ذهن هذه الفتاة بما تعتقده دينيًا... إذ تلتقي خطيبها لتمارس شكلاً آخر من الحرية أو لنقل التمرد. الإنسان قبل كل شيء ينتهي الفيلم بعناق ضروري بين الصديقتين اللتين افترقتا لفترة، لم تتحمل فيهما كل واحدة ذلك، إذ أن العلاقة الإنسانية التي غلبت الانتماءات الدينية قد شرعت لعودتهما، حين اندلعت الحرب واجتمع ضحايا القصف في مكان واحد للاجئين، فانطلقت نور (أولمب بورفال) في البحث عن صوت صديقتها مريم (ليزي بروشري) التي كانت تردد مطلع سورة الإخلاص وصوتها يرتجف خوفًا. الالتحام لا الاختلاف الفيلم بمقاييس فنية، جيّد في جانب هام منه، وقد أحسنت «كارين البو» توظيف الموسيقى التصويرية، خاصة الألمانية منها، كما حرصت على إبراز جانب الالتحام بين المتساكنين في تلك الفترة الحرجة من الزمن (فترة الحرب العالمية الثانية) والذي يأخذ بعدًا إنسانيًا في مجمله متجاوزًا مسألة اختلاف الديانات. ولكن الفيلم متحرر على مستوى توظيف الخطاب الصوري، إذ نشاهد أحداثًا من الحمام في مناسبتين، كما تصوّر المخرجة عملية «التنقية» بالطريقة التقليدية للعروس، وهي مشاهد تخدم الفيلم تجاريًا ولكنها قد لا تضيف إلى مضمونه شيئًا، علمًا أنه عرض ببعض المهرجانات منها مهرجان بيروت، وقد لقي إشكالاً مع الرقابة اللبنانية... وللتذكير، فقد شارك في هذا العمل كل من هشام رستم ودليلة مفتاحي وناجية الجندوبي في أدوار ثانوية.