من الصدف أن يتوافق تواجد هولندا ضمن «قوات التحالف» المتمركزة حاليا في العراق، مع افتتاح ايام السينما الاوروبية في تونس منذ أيام بشريط هولندي يبكي «اضطهاد» اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. قد تكون الصدفة وحدها، هي التي جمعت بين هذين «الموقفين» او «المعطيين»، ولكن الجمهور الذي حضر فيلم افتتاح ايام السينما الاوروبية في تونس، يوم الاربعاء الماضي في قاعة سينما المونديال بالعاصمة. شعر بنوع من المغص نتيجة العقدة الازلية التي ما فتئت تكرسها بعض السينمائات الاوروبية في كل المحافل والمناسبات، وهي «عقدة الذنب» تجاه اليهود، وكأنهم الوحيدين الذين تعرّضوا للاضطهاد في تاريخ الانسانية الحديث. الشقيقتان... ففي الفيلم الذي يحمل عنوان «الشقيقتان التوأم» وهو من اخراج الهولندي بين سومبو غارث، هناك دعوة واضحة الى مساندة اليهود، وتذكر المآسي التي تعرّضوا لها خلال الحرب العالمية الثانية، لا على أيدي النازيين فقط، وإنما على أيدي الهولنديين كذلك... ويصوّر الفيلم رحلة شقيقتين توأم: «لوث» و»آنا» تفقدان والديهما، فيضطر آهالي القرية حيث تقيمان في الريف الالماني، الى منح كل منهما الى عائلة تتولى تبنيها... وهكذا تجد كل منهما نفسها منفصلة عن الاخرى، وبعيدة... واحدة في المانيا والاخرى في هولندا وباندلاع الحرب العالمية الثانية، تتزوج الشقيقة الالمانية جنديا نازيا في حين تقع الاخرى في غرام يهودي هولندي. وبموت اليهودي، على ايدي النازيين في احد المعتقلات، تشعر الشقيقة الهولندية بالحقد تجاه كل الالمان بما فيهم شقيقتها خصوصا وأنها متزوجة من جندي نازي قد يكون هو قاتل زوجها. حتى بلجيكا لم تسلم! وفي الفيلم يصوّر المخرج الهولندي، والد الشقيقة الهولندية بالتبني، كعميل للنازيين، أناني ونهم يخفي الاكل عن عائلته، وعن العائلة اليهودية المتخفية في منزله، وهي ادانة واضحة للهولنديين الذين لم يقفوا الى جانب اليهود في محنتهم خلال الحرب العالمية الثانية. واكثر من ذلك، يسافر المخرج بالشقيقتين عندما تبلغان سن الشيوخة الى بلجيكا، ربما في محاولة لادانة البلجيكيين ذاتهم، ودعوتهم الى تذكر المآسي التي تعرّض لها اليهود. موقف فكري وعسكري وعموما تبدو رسالة الفيلم واضحة، وهي التذكير باضطهاد اليهود في الوقت الذي يتعرض فيه الفلسطينيون لنفس الاضطهاد وربما اكثر، وعلى أيدي من وقع اضطهادهم بالذات... كما يتعرّض العراقيون لأبشع الجرائم من قبل المحتلين، يساندهم في ذلك عدد من الجنود الهولنديين... وربما يبدو موقف هولندا، سواء من خلال تواجد جنودها في العراق ضمن قوات الاحتلال، او من خلال فيلم «الشقيقتان التوأم» واضحا تجاه القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقضية العراقية... فالموقف واضح، فكريا، وماديا او عسكريا...