حكاية عبير العبيدي مع الاسر في السجون والمعتقلات الاسرائيلية حكاية يعرفها كل فلسطيني وعبيرالطالبة التي حيرت الاستخبارات الاسرائيلية لا تزال اليوم على قائمة الممنوعين من السفر رغم السنوات الخمس التي قضتها خلف القضبان... * عبير بعد كل سنوات السجن في المعتقلات الاسرائيلية تجدين نفسك في سجن اكبر، لماذا؟ - فعلا فانا سجينة محررة خرجت من السجن الاسرائيلي لاجد نفسي في سجن اكبر فانا ممنوعة في قوانين الاستخبارات الاسرائيلية من السفر الى أي مكان اخر خارج رام الله لاسباب امنية وانا في تعريفهم "ارهابية من الصنف الاول "و في جرابي خمس عمليات عسكرية ضد المستوطنين ولكن الواقع اني فتاة فلسطينية أنتمي لاسرة متواضعة لاجئة من بئر السبع جنوبفلسطين والدي اعتقل تحت انظاري وانا في سن السادسة وقد اضطرت والدتي انذاك للخروج والعمل من اجلنا ولدت بالقدس واليوم انا من سكان رام الله خريجة جامعة بير زيت كنت قبل الانتفاضة الاولى طالبة نشيطة وعندما اغلق الاحتلال الجامعة واصلت الدراسة سرا في مناطق مختلفة كنت الى جانب النشاط السياسي والاعتصامات اتولى قيادة خلية عسكرية لقيادة فتح وقد اطلقت النار على مجموعة من المستوطنين، والاسرائيليون يعتبرونني ارهابية من الدرجة الاولى ويقولون ان يداي ملطخة بدماء المستوطنين اعتقلت في جويلية 1992 اخذوني من البيت وفي وضح النهار قضيت خمسين يوما في الزنازن الانفرادية والتحقيقات. كان الامر يتعلق بقضية جد مميزة والامر يتعلق بامراة تطلق النار على مستوطنين وقد كان الاعتقاد سائدا لدى الاسرائيليين بعكس ذلك قبل ان يقع خطا في احدى العمليات ويتضح ان امراة وراءها وبعد اشهر من التحقيقات اكتشفوا امري فقد كانت فترة الانتفاضة الاولى انتفاضة حجر ولم يكن هناك سلاح في الضفة وكلما قلت في التحقيق اني لست نادمة على ما اقدمت عليه كلما ازدادوا حقدا وفي احدى مراحل التحقيق وضعوني في صندوق نجس مثل القبر وكنت في حاجة للنوم لمواجهة التحقيق اذكر اني قمت في احدى المرات بقطع الاسلاك التي ياتي من ورائها صوت الموسيقى الصاخب ولم يتفطن لامري الجنود الا في اليوم الموالي كان الطعام مقرفا يضعونه الى جانب المرحاض كنت اقطع انفاسي وابتلع الاكل حتى لا انهار خلال التحقيق وافقد معنوياتي خرجت من السجن وهم على يقين انه لا يزال لدي الكثير وقالوا لي وانا اغادر السجن سنلاحقك حتى اخريوم .بقيت في سجن الرملة ثمانية اشهر وصدر حكم بسجني سبعة عشر عاما، زملائي في العملية احدهم صدر بشانه حكم مؤبد ولايزال في السجن والثاني حوكم ب28 عاما اذكر ايضا ان يوم محاكمتي حاصر الجنود بيت اهلي الذي كان والدي حصل عليه قبل سبعة وعشرين يوما وبعد طول انتظار ونسفوه بستة وثلاثين صاروخا وحولوه الى تراب. كان اصعب يوم يوم هدموا بيتنا ولم يكتفوا بالحكم الصادر بسجني سبعة عشر عاما ظل لدى الاسرائيليين اعتقاد باني لم اعطهم كل ما لدي من معلومات. في خليتنا لم نكن نعلن عن عملياتنا وكانت حركات اخرى تتبناها ولم يكن الامر يهمنا كثيرا وبدات تلك العمليات مع جولات مدريد كان لدينا قناعة بعدالة قضيتنا هناك من الشهداء من زملائي من حملته ومات بين يدي، لم يكن هدفنا من العمليات القتل من اجل القتل ولم اطلق النار على طفل او امراة ويوم اطلقت النار على مستوطن لم اكن اعرف بوجود رضيع في السيارة كنت اريد ان يشعر العدو بما نشعر به . * وكم استمرت رحلة العذاب؟ - الرحلة لم تنته حتى اليوم وهي رحلة عذاب نفسي مستمرة خاصة وان زوجي يقضي حكما بالمؤبد وقد وجدت صعوبات كثيرة في تجاوز مرحلة الاسر فالتعذيب كان يستمر على مدى اربع وعشرين ساعة بدون نوم كنت على وشك ان افقد صوابي، اصبحت اكره كل موسيقات العالم بسبب الموسيقى الصاخبة التي كانت تلازمني في غرفة التحقيق خلال الاسبوعين الاولين كدت افقد الصواب الكيس على راسي والموسيقى الصاخبة في اذني كان بيني وبين الجنون شعرة كان امامي اثنى عشر محققا في اثني عشر يوما ثلاثة في نفس الوقت كنت في الثالثة والعشرين وكانت اول تجربة وهي تجربة قاسية وبعد التحقيق تبدا رحلة اخرى مع العذاب في السجن تعلمت الكثير من السجن وقد كرهت صوت المفاتيح والحديد * لماذا تعتبرين ان تجربتك كانت مميزة جدا في السجن؟ - كانت فعلا تجربة فريدة في العالم كانت هناك اعتصامات اسبوعية وضغوطات من الاهالي وفي كل يوم كان المفاوض الفلسطيني يعلن فيه ان هناك اتفاقا لتحرير اسيرات كنا نتجادل ما اذا كان الامر يتعلق باسيرات او بالاسيرات كنا نرفض لقاء المفاوضين ونقول لهم لا حق لكم في زيارتنا ونحن تحت الاحتلال البنات كن اكثر صلابة في تنظيم الاضراب عن الطعام ما اضطر الاسرائيليين في نهاية المطاف لجلب المفاوضين الفلسطينيين مرة بعد مرة لاقناعنا بالتوقف عن ذلك وحتى عندما تقرر بعد اوسلو الافراج عن البنات عمدت اسرائيل الى استثناء خمس بنات من بين تسع وعشرين اخريات على اساس ان ايدينا ملطخة بالدماء لمياء معروف ابعدت الى البرازيل ولا يزال زوجها في السجن منذ 1986 وقد ادركنا حينها انه اذا خرج اربع وعشرون اسيرة فمعناه انتهى امرنا قررنا التجمع والاعتصام باكبر غرفتي سجن واغلقنا الابواب بحديد الاسرّة وبقينا على تلك الحال الى ان تعهدت ادارة السجن بانه لن تغادر أي سجينة السجن بدون ارادتها ظلت بقية السجينات معنا ستة عشر شهرا وبعضهن كن قضين احد عشر سنة في السجن صمدن معنا الى ان اطلق سراحنا معا وقد صار موقف المفاوضين خجولا وحتى يوم اطلاق سراحنا عادوا وانزلوا اربع بنات من الحافلة فنزلنا جميعا ورفضنا المغادرة وقد كانت تجربتنا بذلك مميزة عن كل حركات التحرر الوطني في العالم ويوم خرجنا كانت الضفة وغزة باسرها في استقبالنا عند الرابعة صباحا * ما الذي تغيّر اليوم وهل يمكن ان يكرر ابناؤك التجربة او أن تعيدي التجربة؟ - دخلت السجن في مرحلة الانتفاضة وخرجت واجد سلطة واتقبل جنود الاحتلال والعملية السلمية وجدت اخوتي كبروا وصديقاتي تزوجن لم يكن بامكاني العمل او الدراسة، توقفت الحياة عند اللحظة التي دخلت فيها السجن بات من الصعب التواصل مع المحيط عدت الى الجامعة بعد اسبوعين ووجدتني في حالة غربة مطلقة لم اعد اعرف الناس، تزوجت سريعا باسير وبعد اشهر عدت لدراسة العلوم السياسية والاعلام. العودة الى الدراسة كانت عملية تعويض مهمة حصلت على الباكالوريا والماجستير وعلى مركز وظيفي مهم بالعمر الزمني خسرت الكثير ولكن حاولت التعويض ماتت بداخلي القدرة على الفرح، بداخلي حزن دائم قتلوا بداخلي القدرة على الفرح ليس بامكاني مغادرة البلاد الجا الى الانترنت للخروج الى العالم - افضل ان اكرر انا التجربة مائة مرة على ان يعيشها ابنائي، دفعت الثمن من اجل الاجيال الجديدة حتى نعيش بحرية وكرامة، صعب ان اقبل أن يدفع ابنائي الثمن مرة اخرى... اليوم لا اعرف ما اقوله لابني عندما يسالني عن والده انا ممنوعة من زيارته، القانون الاسرائيلي يمنعني كاسيرة سابقة من زيارته في السجن.