... طيلة، شهر كامل لم يتوقّف رنين هاتفي كان الرجل نفسه على الخط.. يتصل بي يوميا طالبا منّي أن أعرض حالته في برنامج «المسامح كريم» ليكرّم شخصا ساعده واستمع لمشكلته... قلت له لا بأس... فمثل هذه الحركات النبيلة يجب أن تظهر للعموم خصوصا إذا كان صاحب هذه الحركة موظفا عموميا... أي يعمل في مؤسسات الدولة التي غالبا ما تتعرّض للنقد... ... في الحلقة الأخيرة من «المسامح كريم» استضفت فيها السيد بلقاسم العريف وابنته الصغيرة المريضة ليروي قصته مع المعاناة ويكرّم الشخص الذي أراد تكريمه، تحدّث بحماس كبير، قال أن ابنته الصغيرة كادت تضيع بين موعد طبي وآخر... بين لا مبالاة وأخرى... بين ضمير ميّت وآخر سيموت بعد دقائق... لم يجد حلاّ إلا أن يقتحم باب المسؤول الأول... فتح الباب وهو في حالة غضب شديد... المسؤول لم يكن رجلا... كانت امرأة... لم تردّ الفعل على الاقتحام، الصادر عن هذا الأب الملتاع لمكتبها بل تفهمت حركته العنيفة.. وهدأت من روعه وطلبت منه أن يحكي لها ما حدث... وبالفعل كان تدخل هذه المرأة سريعا وقامت بالواجب تجاهه وهو الواجب الذي عجز عنه الآخرون لاعتبارات عديدة. ... أجرت ابنته المهدّدة بالموت جميع التحاليل والصور والتخطيطات اللازمة لمثل حالتها... فقد ظلّت تنتظر سنة كاملة بين موعد وآخر... ولولا تدخل هذه السيدة لتعكّرت صحة البنت ولربما حدث المكروه ولكن أنقذ مصيرها بفضل تدخل سريع وناجح من المشرفة على المستشفى... تلقت البنت العلاج اللازم... وشفيت نهائيا من مرضها ونسي الأب المعاناة التي كان يعيشها وهو يرى ابنته تموت بين يديه ولكنه لم ينس هذه السيدة الرائعة التي أعطته بعضا من وقتها واستمعت إليه وتحرّكت فورا وقامت بالواجب الذي يرضي ضميرها... ... كان الرجل إلى جانبي في الأستوديو وبين يديه ابنته التي تختزل كل آماله في هذه الحياة... وكان على خط الهاتف صاحبة «الجميل» السيدة زينب الشامخ مديرة مستشفى الأطفال بباب سعدون تقول: لا شكر على واجب... لقد قمت بما يمليه عليّ ضميري وأنا سعيدة عندما أرى أطفال تونس في صحة جيدة ولا تتوانى مستشفياتنا في القيام بالواجب... ... قالت الكثير من الكلام... لتؤكد في الأخير أنها قامت بالواجب وكفى وأنها لن تتخلّى لحظة واحدة عن ضميرها الإنساني! ... انتهت المكالمة وسط تصفيق حاد ودموع كادت تنزل من عيني السيد بلقاسم... وابنته!! وهكذا يتّضح أننا لم نقطع الأمل بعد في ضمائر العاملين في إدراتنا. برقيات * إلى المنصف السويسي: قلت: «المسرح ينفتح على السرك ولكن لا يتحوّل إلى سرك»... .. يرحم هاك الفمّ! * إلى امرأة: متى أكشف وجهك واسمك... ونبض عروقك على ورق الصحيفة... متى؟!! للتعليق على هذا الموضوع: