مالك شاب فرنسي المولد تونسي الاصل يعيش ومنذ سنوات على امل ان يمنحه القانون الفرنسي حق الانتفاع بلم شمل العائلات ليلتحق باخوته ووالديه المقيمين بشكل قانوني ودائم في فرنسا ووضع حد لرحلة المتاعب وحالة التشتت التي تعيشها العائلة بعد ان رفض طلب مالك المتكرر للحصول على تاشيرة السفر... قد لا تختلف حكاية مالك هذه الا في بعض تفاصيلها عن الكثير من حكايات ومعاناة ابناء المهاجرين المشتتين بل هي ليست سوى واحدة من آلاف الحالات المماثلة التي يعيش على وقعها ابناء المهاجرين العرب من اصول مغاربية او شرق اوسطية في فرنسا ممن دأب اباؤهم على تسديد ضرائبهم بانتظام والقيام بواجبهم الانتخابي والالتزام بمبادئ الجمهورية كغيرهم من المواطنين الفرنسيين من اصول اجنبية ولكن ممن يعيشون على امل ان ينصفهم قانون التجمع العائلي او لم شمل العائلة لجلب فرد او اكثر من افراد عائلتهم وفق ما اقرته القوانين الفرنسية. ولعل الكثير من هؤلاء وحتى غيرهم ايضا ينظرون بكثير من الحيرة ازاء قانون الهجرة الجديد او ما اصطلح على تسميته بمشروع قانون هورتيفي للتحكم hortefeux في الهجرة نسبة الى وزير الهجرة والاندماج واللجوء صديق ساركوزي واحد اكثر المقربين منه وقد تضمن مشروع القرار ثمانية عشر بندا تبدا بتاهيل المترشح للهجرة لتعلم اللغة الفرنسية ومعرفة مبادئ الجمهورية في بلد الاقامة الى ضمان توفر المورد المالي المطلوب للم شمل العائلة المعنية وصولا الى اخضاع اصحاب المطالب لفحص الحمض النووي لاثبات صحة طلباتهم وعدم تعرضها للتزوير وقد كان مشروع القانون هذا كفيلا باثارة جدل قد لا ينتهي قريبا في مختلف الاوساط السياسية والاعلامية والديبلوماسية الفرنسية المنقسمة بين مؤيد ومعارض للقانون. وقد جاء تصويت البرلمان الفرنسي لصالح مشروع القانون بتسعين صوتا مقابل خمس واربعون صوتا معارضا ليفرض المزيد من الانقسامات داخل الحكومة الفرنسية نفسها واذا كان برنار كوشنير وفضيلة عمارة قد نايا بنفسيهما عن المشروع فان الكثيرين ابدوا تاييدا مطلقا له بل ان بعضهم بدا حملة علنية لمطالبة المدراس بكشف اسماء التلاميذ غير الشرعيين في صفوفها لاتخاذ الاجراءات المطلوبة بشانهم... وكما اعتبر المؤيدون لقانون هورتوفي انه براغماتي وعادل فقد راى معارضوه انه خطر على مبادئ الجمهورية ولمستقبلها... ولعل في النقاشات التي استمرت في البرلمان على مدى اليومين الماضيين وما شهدته من تباين في المواقف والاراء ما يعكس حدة الجدل الدائر في الساحة الفرنسية الامر الذي دفع بمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المناهضة للعنصرية وغيرها ايضا الى اعلان حالة استنفار قصوى في صفوفها وتجنيد المعارضين لهذا القانون للتظاهر امام مقر البرلمان واعلان رفضها للمشروع. صحيح ان فرنسا لم تكن اول بلد اوروبي يعتمد اللجوء الى تحليل الحمض النووي في بعض ملفات الهجرة وقد لاتكون اخر بلد يقوم بذلك في ظل الاحكام والتشريعات والضغوطات الجديدة لتطويق ظاهرة الهجرة وتشديدها بكل الطرق الممكنة وحتى غير الممكنة فقد سبقها الى ذلك اثني عشر بلدا اوروبيا ولكن الاهم من كل ذلك ان الاحتكام الى هكذا حل قد لا يحمل في نهاية المطاف معه الحل المطلوب للحالمين بالهجرة بالطرق الشرعية والنتيجة ليست دوما في حجم الثمن الذي سيدفعه هؤلاء والامرلا يتعلق فقط بتكاليف تحليل الحمض النووي للمعنيين الذي يبلغ نحو ست مائة يورو ولا يمكن القيام به الا في المخابر المتوفرة في اوروبا وامريكا الشمالية ولكن ايضا بما يمكن ان يتعرضوا له من اهانات ومن شعور بالازدراء ومن اثارة للشكوك والاتهامات والمخاوف ومشاعر الاحتقار والاهانة لجذورهم واصولهم فاللجوء الى مثل هذا الخيار يفرض مشكلة قانونية ففرنسا تفرض شروط على تحليل الحمض النووي ولا يمكن القيام به الا لغايات طبية او علمية.لقد وعد ساركوزي بترحيل خمس وعشرون الف مهاجر قبل نهاية العام ولم يتم حتى الان سوى ترحيل اربعة عشر الف بما يعني ان النصاب لم يكتمل بعد وان الاشهر القليلة القادمة ستشهد المزيد من الاجراءات في اتجاه تطبيق سياسة ساركوزي التي كان اطلقها خلال حملته الانتخابية...