الثورة اليمنية التي تصادف 26 من سبتمبر من كل عام تمثل ذكرى لأهم حدث عاشه اليمن منذ 45 عاما الذي يمثل مرحلة تحول في حياة الإنسان اليمني الذي عانى قبل ثورته الأمرين، حكم إمامي ظالم ومستبد في شمال اليمن واستعمار أجنبي مرير في جنوبه، فرقت بين شعب ووطن طيلة سنين طويلة من الزمن إلى أن تحقق حلم اليمن بثورته، وأعاد لحمة شعبه بوحدته. عاش اليمن طيلة عقود من الزمن تحت حكم إمامي مستبد تعاقب على حكمه ثلاثة أئمة بعد خروج العثمانيين من اليمن في العام 1918م، بعد توقيع ما عرف باتفاقية تحديد مناطق النفوذ العثماني البريطاني في اليمن عام 1904 التي تم التصديق عليها عام 1914، فبعد أن تحرر اليمن من حكم العثمانيين في العام 1918م استأثر بحكمه أسرة آل حميد الدين التي حكمت اليمن حتى العام 1962م الذي اتصف حكمها بالظلم والاستبداد والجو، وعاش اليمن خلاله في حالة من الفقر والجهل والمرض حتى قيام الثورة اليمنية المباركة في 26 من سبتمبر 1962 التي جاءت كمطلب أساسي للخروج من الوضع الصعب الذي كان يعيشه اليمنيون آنذاك، حيث كان اليمن تفتقر لأبسط الأساسيات خاصة في مجال الصحة والتعليم والخدمات الأساسية والبنية التحتية والتي لم يستطع النظام الملكي تلبيتها ناهيك عن متطلبات مؤسسات النظام البسيطة التركيب. الوضع السياسي اليمني خلال العهد الامامي: مر اليمن بظروف صعبة في ظل النظام الملكي في الشمال بعد أن كان قابعا تحت الاحتلال العثماني التي وصلت قواته إلى الشمال عام 1848، والاستعمار البريطاني في الجنوب الذي بدأ في نهاية الثلث الأول من القرن التاسع عشر حين تمكن الاستعمار البريطاني من وضع أقدامه على أرض الجنوب اليمني عام 1839. بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى حصل شمال اليمن على استقلاله الوطني عام 1918، الأمر الذي أدى إلى اشتداد النضال الوطني في الجنوب ضد الاستعمار البريطاني وأعوانه في المنطقة من أجل تحقيق الوحدة اليمنية أرضا وشعبا، لكن حكم الإمام يحيى جاء مخيبا لآمال الشعب، فقد قام الإمام بتوقيع اتفاقية صنعاء مع الحكومة البريطانية اعترف فيها ضمنيا بالوجود البريطاني في عدن من خلال الموافقة على بقاء الوضع القائم بالنسبة إلى الحدود كما هو عليه، وكانت تلك الاتفاقية هي البداية الحقيقية في العمل الجاد لطلائع الشعب اليمني بتصديها لسياسة الإمام التي فرضت حالة من الجمود والعزل على الشطر الشمالي. ظهرت العديد من الحركات السياسية المناهضة للحكم الامامي في الشمال، والتي كانت البادرة الأولى للنضال اليمني ضد الحكم الملكي المستبد كحزب الأحرار اليمنيين الذي عارض علانية حكم بيت حميد الدين، ثم انتقلت عناصره إلى عدن ليخوضوا نضالهم العلني بعد أن جربوا كل الطرق والأساليب مع أمراء أسرة حميد الدين في سبيل الإصلاح. وكانت مهمة الأحرار في البداية بلورة القضية من خلال نشر آرائهم وأفكارهم حول الإصلاح المطلوب تحقيقه في الشمال على صفحات الصحف وعبر اللقاءات الشعبية، وقد شكل حزب الأحرار خطرا جسيما على حكم الإمامة في الشمال، ثم ظهر في تشكيل جديد أطلق عليه "الجمعية اليمنية الكبرى" عام 1946، وقد انخرط فيها الكثير من العناصر والشخصيات البارزة وفي طليعتهم سيف الحق إبراهيم نجل الإمام يحيى. وبعد حشد الطاقات قاموا عام 1948 بالثورة التي انتصرت طوال ثلاثة أسابيع ثم أخمدت، وتمت للأمير أحمد (ولي العهد) السيطرة على مقاليد الحكم. وفي الوقت نفسه كان نضال اليمنيين في عدن مرتبطا بنضال إخوانهم في الشمال، وقد توافق هذا مع ممارسات قمعية حادة قامت بها قوات الاحتلال البريطاني ضد هذه الحركة الشعبية حماية لمصالحها ومحافظة على وجود الأمراء والسلاطين. وحين أطلت مرحلة الخمسينيات وتفجرت معها ثورة جويلية/ تموز في مصر عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، تأثر بها رواد الفكر والتنوير والثورة في اليمن. وهكذا انتقل المناضلون في الشمال بأفكارهم الجديدة إلى طور أعلى فأخذوا يناقشون كثيرا من الأفكار والتصورات الجديدة، ولم يعد هدف الإصلاح داخل النظام قائما كما كان، أي البحث عن إمام آخر يحل محل الإمام الحاكم بل نوقشت للمرة الأولى أطروحات قيام نظام جمهوري ديمقراطي عادل بدلا من نظام الإمامة، وتحقيق الوحدة اليمنية على طريق الوحدة العربية. وفي عدن ارتفعت الأصوات المطالبة بالوحدة اليمنية والنضال على أساس إستراتيجية يمنية تؤدي إلى الاستقلال والقضاء على التخلف في اليمن عامة. وبعد سلسلة من المحاولات النضالية كثورة الحركة الدستورية التي انطلقت شرارتها في العام 1948 التي جاءت بعد اغتيال الإمام يحي حميد الدين إلا أنها لم تستطع الصمود كثيرا ، ثم حركة عام 1955 التي قام بها احد ضباط الجيش الملكي الشهيد الثلاياء إلا أنها أيضا لم يكتب لها النجاح ، قامت ثورة 26 سبتمبر 1962 بقيادة تنظيم الضباط الأحرار وأنقذت اليمن من الحكم الإمامي الذي حكم عليه بالعزلة قرونا طويلة، والتي كانت رافدا أساسيا لقيام ثورة 14 أكتوبر عام 1963 في جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطاني الذي أعلن انسحابه الكامل من التراب اليمني في 30 نوفمبر 1967. وقد شكلت الثورتان أهم منعطف في تاريخ اليمن وأول إنجاز حقيقي نحو توحيد الوطن المجزأ وبناء الدولة اليمنية الواحدة على كامل ترابه، فقد كانت هاتان الثورتان وحدويتين في آفاقهما وأهدافهما وجسدتا الترابط الحقيقي بين جماهير الشعب اليمني في الشمال والجنوب، وكان العمال والفلاحون الذين توافدوا من كل أنحاء الوطن نواة جيشها وحملة علمها. واقع اليمن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا قبل الثورة : كان اليمن يعيش حالة من العزلة الإجبارية عن واقعه العربي والإقليمي والدولي، حيث كانت طبيعة الحكم المبرر بالدين والنسب تقوم على الفردية المطلقة المفضية إلى الاستبداد، إذ لا حكومة ولا مؤسسات حكم قادرة على تلبية احتياجات وطموحات الشعب، ناهيك عن أن ما هو كائن لا يمتلك مقومات الاستمرار والعطاء، فالجانب الصحي مثلا تمثل بوجود مستشفيات لا تتجاوز أصابع اليد اليمنى، وحتى ما هو كائن لا يلبي احتياجات المرضى بسبب عدم توفر الإمكانات، كما أن التعليم محصور في مدارس تقليدية، لا تناله إلا فئة محددة من الشعب حتى أولئك الطلاب الذين ابتعثوا للدراسة خارج اليمن فان عددهم محدود جدا، ناهيك عن الاقتصاد الهش القائم على جباية الضرائب والزكوات ومساعدة بعض الدول الصديقة والشقيقة، ناهيك عن تخلف النظام الزراعي القائم على الأدوات التقليدية البدائية، وحالة الشعب المتردية التي يفتقر إلى ابسط مقومات الحياة الكريمة، وقد كانت المقارنات بين حال اليمن وحال البلاد الأخرى تقذف باليمن بعيدا في أزمنة التاريخ الأولى، ولا تمكن من إقامة أية صلة مع عالم القرن العشرين الذي زخر بمختلف التطورات التقنية والعلمية المذهلة، لقد أغلق الأئمة أعينهم وصموا آذانهم عن كل هذه المتغيرات، وأقاموا حاجز عزلة منيع خشية على البلاد من الغرباء حسب زعمهم، بينما هي خشية على السلطة من الضياع، لقد تضافرت ويلات البؤس والفقر والعزلة لتجعل من اليمن واحدة من أكثر البلدان تخلفا وغرقا في ظلمات الأزمنة البدائية. رغم حالة التشطير التي عاشها اليمن عقب قيام الثورتين في الشمال والجنوب والتي استمرت إلى ما يقارب الثلاثة عقود وما رافقها من أحداث جسيمة أثرت على بنية اليمن على كافة الأصعدة، إلا أن إرادة الشعب اليمني كانت اكبر من كل التحديات، حيث استطاع اليمن أن يستعيد وحدته في 22 من ماي عام 1990، وذلك بإرادة الشعب والقيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح موحد اليمن وباني اليمن الجديد، ورائد التنمية والتطور الذي أعاد اليمن إلى وضعه الطبيعي والى مكانته العظيمة في واقعه الإقليمي والعربي والدولي رغم التحديات الجمة التي عاشها اليمن الموحد، وما يزخر به اليمن اليوم من انجازات تنموية هائلة وبنية عمرانية ضخمة يمثل ثمرة الثورة اليمنية والوحدة التي يفخر ويعتز بها كل يمني. (*) مراسل وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بتونس