تتوالى التطورات والأحداث الدراماتيكية في اليمن لتعلن حسب عديد المراقبين قرب نهاية النظام الحالي خاصة بعد انضمام الجيش الى صفوف الثوار. وتطرح ثورة اليمن عديد التساؤلات حول السيناريوهات التي تنتظرها وهل ستلحق بركب الثورتين التونسية والمصرية ام سيدخل عامل السلاح على الخط في ظل التركيبة القبلية والمذهبية الخاصة لهذا البلد. للإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها اتصلت « الأسبوعي» بالأستاذ محمد اليوسفي رئيس تحرير جريدة "الصحوة نت " اليمنية مباشرة من صنعاء الذي أمدنا بالحديث التالي: اجرت الحوار: روعة قاسم هل تطلعنا أكثر على ما يحصل في اليمن اليوم والى أين ستؤول الأحداث؟ -خرج اليمنيون منذ أكثر من شهر في تظاهرات سلمية إلى ساحات التغيير والحرية في جميع المحافظات واعتصموا في الساحات و نصبوا فيها خيامهم مطالبين بإسقاط النظام الحاكم . وعندما صمد المعتصمون في ساحات التغيير وازداد عددهم، مع إفلاس السلطة وفشلها في فض اعتصامهم و تفريقهم بالبلطجة والتضليل والترغيب والترهيب، واجههم النظام بالقمع (بالغاز السام) والعنف والقنص، ما أدى الى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى . وباتت الثورة الشعبية على أعتاب خطوات قليلة من تحقيق النصر وإسقاط النظام، بعدما أعلن قائد المنطقة العسكرية المركزية في العاصمة صنعاء، اللواء سيف البقري، انضمامه لثورة الشعب السلمية ودعمه لمطالبها.وفي أعقاب خطوات مماثلة أقدم عليها ثلاثة من كبار القادة العسكريين في الجيش، أبرزهم قائد الدفاع الجوي بالفرقة الأولى المدرعة التابعة لسلاح الجو، العميد الركن صادق علي سرحان، الذي دعا الرئيس صالح إلى الاستقالة سريعا والتنحي عن الحكم، حقنا لدماء المواطنين. وزاد من ثقل الأزمة على نظام الرئيس علي صالح انضمام عدد آخر من القادة العسكريين للثورة وإعلانهم حمايتها من عمليات القتل والقنص الحكومية، مثل قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية في الجيش اليمني، اللواء علي محسن صالح الأحمرالأخ غيرالشقيق للرئيس، وقائد المنطقة العسكرية الشرقية، اللواء الركن محمد علي محسن، إضافة إلى قائد اللواء (310) العسكري بمحافظة عمران، العميد الركن حميد القشيبي، وقائد لواء العمالقة في الجنوب. هؤلاء جميعا أعلنوا انضمامهم إلى الشعب والثورة التي يقودها الشباب في كل محافظات الجمهورية . اذن. ماهي السيناريوهات التي تنتظرالثورة في اليمن؟ -في ضوء تعنت ورفض الرئيس التنحي السلمي وتشبثه بمقعده ، تبدو اليمن أمام سيناريوهين : سلمي على الطريقة التونسية والمصرية أو دموي على الطريقة الليبية. وهذا ان حصل سيصنعه النظام بنفسه ليوهم الرأي العام الخارجي بفشل الثورة السلمية، إلا أنني أرجح البديل الأول -سلمي- وهو سيرها على نفس السيناريوالتونسي والمصري. فبالرغم من ان الوضع في اليمن قبلي، والسلاح منتشر الا ان القبائل أعلنت انها تركت أسلحتها في البيوت . فشباب الثورة والمعارضة والقبائل المتواجدون في الميادين حريصون كل الحرص على ان تكون الثورة سلمية. وأعلنوا ذلك اكثر من مرة وقد صدوا الكثير من هجمات السلطة بصدورعارية وما دور الحوثيين والحراك الجنوبي في هذه الثورة خاصة وانهم كانوا يطالبون بالانفصال في دولة مستقلة؟ الحوثيون -الذين كانوا يحاربون النظام بالأمس- نزلوا الآن الى ساحات التغيير بدون سلاح .. وتركوا أسلحتهم في بيوتهم ومناطقهم. لذلك فإنهم مصرون على ان تكون الثورة سلمية وقد فوتوا على السلطة الكثير من الفرص لأنها كانت تريد ان تجرهم الى مربع العنف والاقتتال. وفي كثير من مواجهات السلطة لهم بالرصاص الحي كانوا يواجهونها بصدورهم العارية وبمزيد من الإصرار والعزم لان يكملوا مسيرتهم ومع كل سقوط قتيل يزدادون قوة وعددا. وعلى الرغم من انضمام الجيش لهم فإن قادتهم أعلنوا انضمامهم للثورة سلميا. لكن تجدر الأشارة الى ان الحوثيين في صعدة شمال اليمن-»اثنا عشرية امامية»، قد مولهم النظام ورعاهم في السابق ليكونوا أداته لضرب حزب التجمع اليمني للإصلاح اسلامي سني - الا انهم انقلبوا على السلطة وحاربوها بعد ذلك لكنهم اليوم تركوا أسلحتهم وانضموا للثورة السلمية. كما ان قوات من الحرس الخاص في حضرموت والحديدة قد قامت بمحاصرة معسكرات من الجيش الا ان تلك المعسكرات التزمت بضبط النفس ولم تنجر الى الرد بالسلاح. ويضاف الى هؤلاء الانفصاليون في المناطق الجنوبية الذين اتحدوا اليوم مع الثورة وهتفوا جميعا لإسقاط النظام. تقوم بنية المجتمع اليمني على تعدد القبائل والمذاهب، فهل يمكن لهذا العامل ان يؤدي الى حرب اهلية ومذهبية، وما دوره في اي سيناريو مستقبلي لتقسيم البلاد بعد انهيار النظام؟ يتسم المجتمع اليمني بغلبة المكون القبلي في بنيته الاجتماعية، وتأثيره القوي في الحياة السياسية والاجتماعية ويشكل ما يقرب من 85 بالمائة من إجمالى سكان اليمن. وهو ما أثر على طبيعة وأداء النظام السياسي في البلاد، وعلى العلاقة مع القوى السياسية الأخرى، وتستند التركيبة الإجتماعية فى اليمن إلى تعدد في البُنى القبلية، والشرائح الإجتماعية، والتمايزات المناطقية والمذهبية، ومع ذلك يظل سمة عامة للحياة الإجتماعية والسياسية ، ويؤثر ويتأثر بأساليب إدارة الشأن العام. ودور القبائل في الإصلاح والتغيير معروف فقد كانت في طليعة القوى التي طالبت به، وقدمت الكثير من الشهداء في سبيل محاربة الظلم والاستبداد بمختلف أنواعه، فالقبيلة في اليمن كانت لها أدوارٌ إيجابية لعبتها في عهود مختلفة، كما هو الحال مع مقاومة الاحتلال العثماني لليمن، ومعارك تثبيت ثورة سبتمبر 1962 ، والدفاع عنها منذ بدايتها وحتى نهاية حرب السبعين وإعلان المصالحة الوطنية عام 1969، إضافة إلى دورها في ردع العصابات التخريبية للجبهة الوطنية أوائل الثمانينات، وفي حرب تثبيت الوحدة اليمنية عام 1994 وغير ذلك. وبعض القبائل من الناحية المذهبية تنتمي إلى المذهب الزيدي، الذي يؤمن بوجوب الخروج على الظالم. ومعظمهم يقفون في صف الإصلاح السياسي. فالتعليم والانفتاح السياسي والاعلامي ساهما في تحجيم الجانب السلبي للقبيلة، واندماج الكثير من أبناء القبائل في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وانضمام القبائل اليوم للثورة يؤكد ذلك، فقد خرج رجالهم مع ثورة الشباب. فحتى القبائل المتناحرة وضعت خلافاتها وحسابات الدم التي بين بعضها البعض جانبا مصطفة مع الثورة . كما ان الرئيس صالح استطاع من قبل البقاء في البيئة السياسية المتقلبة والصعبة، عن طريق استخدام سياسة فرق تسّد بذكاء مع القبائل. وحاول هذه المرة فعل الشيء نفسه فقدم تنازلات سياسية وأموالا طائلة وسيارات للحلفاء والأنصار من القبائل بالإضافة إلى قمع عنيف للمظاهرات لكنه لم يفلح هذه المرة. اذن هل المطالب الانفصالية للحوثيين والحراك الجنوبي ستظل قائمة بعد رحيل النظام؟ هناك من يقول انه بعد مغادرة صالح للحكم ستتلاشى نشوة النصر ومشاعر الوحدة الوطنية بسرعة، عندما يواجه المتظاهرون مسؤولياتهم في إعادة بناء بلدهم بعد سنوات من سوء الحكم والفقر. وهناك مخاوف من انفصال الجنوب وانفصال صعدة ايضا وهناك من يزيد على ذلك ويرى ان اليمن ستتقسم الى اكثر من ثلاث او اربع دويلات.. وهذا في الحقيقة ما يدعيه النظام ويخاف منه الرأي العام المحلي والدولي. فالواقع اليوم يثبت ان اليمنيين بما فيهم الجنوبيون والحوثيون اتحدوا ونزلوا الى الشارع لاسقاط النظام.فحتى أبناء القبائل الذين سبق لهم أن حاربوا الحوثيين في شمال اليمن، أصبحوا اليوم يجلسون بجوار أبناء الحوثيين أنفسهم في مخيمات الثورة في ميادين التغيير في أنحاء البلاد. فاسقاط النظام هو بداية لحل قضاياهم. فالسبب الرئيس لمشاكل الجنوبيين هو النظام نفسه الذي همشهم سياسيا وهضم حقوقهم المطلبية ونهب اراضيهم.. واعتقد ان الثورة السلمية اذا حلت القضية الجنوبية وقضية صعدة بكل أبعادها السياسية والحقوقية حلا شاملا وعادلا يجعل من أبناء الجنوب وصعدة طرفا أساسيا في المعادلة السياسية والوطنية ستنتهي المطالبات بالانفصال. واعتقد ان الثورة السلمية قادرة على ذلك وستوصل اليمن إلى دولة مدنية ديمقراطية ومؤسساتية، دولة لكل اليمنيين لا تغلب فيها مجموعة على أخرى ومؤشر ذلك أن الشعب كله قد نهض وخرج إلى الشارع. برأيكم الى أي مدى يمكن ان يصمد نظام صالح ؟ -لن يصمد صالح طويلا فالنظام يتهاوى ويثبت لنا كل يوم انه الى الزوال بإذن الله. فانضمام الجيش الى خط الثورة وتقديم قيادات الحزب الحاكم ونوابه في البرلمان استقالاتهم منه وانضمامهم للثورة، وكذا اعلان العديد من القبائل الكبيرة مثل قبيلة حاشد وبكيل وأرحب بما فيها قبيلة الرئيس نفسه، واعلان العديد من الدبلوماسيين والسفراء اليمنيين في الخارج تقديم استقالاتهم وانضمامهم الى الثورة تعتبر جميعها مؤشرات على تهاوي النظام. هذا من جهة ومن جهة اخرى فإن تقديم الرئيس كل يوم للعديد من المبادرات والتنازلات التي يرفضها شباب الثورة ...دليل على قرب رحيله. فالنظام اليوم يبحث عن مزيد من الوقت لتجهيز نفسه للرحيل.