اللقاء الذي جمع الرئيس الفلسطيني امس في رام الله بمسؤولين من حركة حماس لم يكن اشاعة كما حصل في مناسبات كثيرة في السابق بل حقيقة اكدها ابو مازن بما يمكن ان يوحي بكثير من الحذر بان في ذلك مؤشر على بداية ذوبان الجليد في منطقة ملتهبة على مدار العام وربما خطوة ايضا باتجاه انهاء القطيعة بين حركتي فتح وحماس اكبر الفصائل المتناحرة على السلطة على الساحة الفلسطينية... اسباب كثيرة من شانها ان تدعو الى عدم الانجرار وراء التفاؤل المفرط بشان مثل هذا اللقاء وما يمكن ان يحمله في طياته من تحولات على الساحة السياسية الفلسطينية في مرحلة لا تخلو من التحديات والمخاطر والعراقيل التي تجاوزت كل محن الماضي ومصائبه ومع ذلك فان الواقع يفترض التوقف عند بعض النقاط الايجابية المحدودة التي تتطلب تظافر كل الجهود المحلية والاقليمية والدولية من اجل انجاحها وعدم اجهاضها في المهد. ربما حملت هذه الخطوة الاولى من نوعها بعد اكثر من ستة اشهر على سيطرة حماس على قطاع غزة وما افرزته من انعكاسات على الحياة اليومية للقطاع بذور مصارحة باتت اكثر من اكيدة من اجل مصالحة وطنية تاخرت اكثر مما ينبغي. ولعل الصدفة وحدها شاءت ان يتزامن لقاء الرئيس الفلسطيني امس بمسؤولين من حركة حماس مع حدثين اساسيين اولهما مرتبط بالجذور التاريخية للقضية الفلسطينية والثاني بحاضر ومستقبل اطول واعقد وانبل مسيرة نضالية ضد الاحتلال في العصر الحديث واذا كان الحدث الاول ارتبط بالذكرى التسعين لوعد بلفور الذي منح بمقتضاه اللورد البريطاني ظلما لليهود حق اقامة دولة على ارض فلسطين التاريخية تحت غطاء شعب بلا ارض لارض بلا شعب فان الحدث الثاني ارتبط بالحدث المرتقب في انابوليس من اجل اعادة تحريك العملية السلمية بين الفسطينيين والاسرائيليين وهو الحدث الذي من شانه ان يتطلب من الفلسطينيين من مختلف الفصائل وقفة رجل واحد من اجل سحب البساط امام كل المحاولات المعلنة والخفية لاخضاع الفلسطينيين لمزيد الضغوطات والتنازلات... لقد اكد الرئيس الفلسطيني في اعقاب اللقاء مع مسؤولي حماس بانه لن يعقد مصالحة رسمية مع الحركة قبل ان تتخلى عن سيطرتها على القطاع ولكن الاكيد ان ابومازن اكثر من يدرك ان العودة بالوضع الى ما كان عليه قبل تلك الاحداث يتطلب منه الحرص على ابقاء ابواب الحوار مفتوحة... والحقيقة انه ايا كانت الاسباب التي دفعت الرئيس الفلسطيني ومهندس اتفاق اوسلو الى مثل هذا اللقاء وسواء اراد بذلك جس نبض حركة حماس ومدى استعدادها للتراجع عن سيطرتها على غزة او اراد الرد على الانتقادات التي استهدفت خياراته في التعامل مع انفصال غزة ورفضه لغة الحوار خاصة امام تردي الاوضاع الانسانية بسبب العقوبات الجماعية الاسرائيلية على الاهالي فان الاكيد ان القيادة الفلسطينية لا تملك رفاهية الخيار وليس امامها الا ان تسعى لتاجيل الخصومات السياسية الى مرحلة لاحقة وان تبدا بطرح الاهم على المهم... والواقع ان القيادة الفلسطينية هي اكثر من يدرك ان اعادة ترتيب البيت اولوية لا تقبل التاخير وهي حتما لاتحتاج لدروس في هذا الشان بل الارجح ان هناك اكثر من مستفيد من استمرار الوضع على حاله بين الاخوة الاعداء الى ما لانهاية ولعل في ذلك اكثر من سبب منطقي من شانه ان يدفع اصحاب القضية الى العمل على تجاوز الخلافات الضيقة وتغليب المصلحة الوطنية العليا واولها ألا يظل لقاء الامس لقاء يتيما والا تنتهي هذه الخطوة الاولى لراب الصدع بين فتح وحماس عند النقطة التي انطلقت منها ففي وعد بلفور وما تلاه من احداث وتحولات على مدى تسعين عاما الى غاية لقاء أنابوليس المرتقب ما يكفي من الدروس والعبر التي يجب ان تظل حية في الذاكرة الفلسطينية....