سارعت الولاياتالمتحدة بتسجيل حضورها بعد 14 جانفي، تاريخ سقوط بن علي، فلم يمر أسبوع واحد من الثورة حتى قام جو ليبرمان السيناتور الأمريكي بزيارة إلى تونس، ثم عقبتها زيارة ثانية، فثالثة لمسؤولين أمريكيين في أقل من شهر تقريبا. ورغم تأكيد السيناتور الجمهوري جون ماكين عضو الوفد الذي زار تونس أخيرا والذي رافقه فيه جو ليبرمان أن وفد الكونغرس جاء "ليعبر عن مساندة الولاياتالمتحدةالأمريكية للمسار الانتقالي الديمقراطي الذي تشهده البلاد مؤكدا إن بلاده ستبذل قصارى جهدها من اجل إنجاح هذه الثورة" ، فان احتجاجات كانت كبيرة في الشارع التونسي رافقت هذه الزيارات، ورفضا أكدته عدد من القوى السياسية عبرت عن احترازها للغموض الذي يرافق الزيارات المتتالية للمسؤولين الأمريكيين لتونس والدور الأمريكي في البلاد. "الصباح" اتصلت بعدد من المختصين في العلاقات الدولية، وطرحت السؤال التالي: ماذا يريد الأمريكيون من تونس؟ تواصل النفوذ أكد الدكتور توفيق بوعشبة أن السياسة الخارجية الأمريكية لها ثوابت أساسية، تنطلق من المصالح القومية العليا لهذه القوة العالمية، فلذلك تم التوجه بسرعة فائقة إلى إبراز الاهتمام بل الحضور الفعلي في الميدان. و من جهته اعتبر الدكتور قيس سعيد المختص في العلاقات الدولية أن اهتمام الأمريكيين بتونس مسألة عادية، فما حصل في تونس فاجأهم، وبالنسبة لهم فان الهدف الأول يتمثل في الحفاظ على مصالحهم في المنطقة لذلك فان الاهتمام عادي بالبلاد في هذه المرحلة. ويكمن الهدف الرئيسي في تواصل وتطوير وجودهم داخل المنطقة. أما الأستاذ محمد جمور المختص في القانون فيقول "لا يخفى على أحد أن المنطقة إستراتيجية، غنية بموارد طبيعية ضخمة ويجب أن تبقى تونس في منطقة النفوذ الأمريكي وتواصل كما هو الشأن في عهد النظام السابق سياستها في التطبيع مع الكيان الصهيوني" . صراع المصالح ويبدو الأحداث المتسارعة في تونس باغتت الجميع بما في ذلك الإدارة الأمريكية وان كان جهازها الدبلوماسي في تونس قد واكب ذلك التسارع من حيث الاستنتاجات التي كان يثيرها بصورة أفضل من مواكبة نفس الأحداث من قبل الدبلوماسية الفرنسية كما رأى بوعشبة أداء كلا القوتين. غير أن المصالح ليست متناقضة بين الأوروبيين والأمريكيين، ولكن ضروريات المرحلة تقتضي "تغليب تصور أمريكا على تصور الأوروبي والفرنسي الكلاسيكي" هكذا أجاب سعيد عن السؤال المتعلق بالصراع على النفوذ بين الأوروبيين والأمريكيين في تونس. في المقابل اعتبر محمد جمور أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحاول التقليص من النفوذ الفرنسي في المنطقة لذا تأتي هذه الزيارات المتكررة والوعود بإعانات عسكرية ومالية وتعبير عن تدعيم الانتقال إلى الديمقراطية ويأتي ذلك في إطار "الصراع بين قوى الهيمنة من أجل السيطرة الاقتصادية ". وشدد على أن أمريكا تبحث عن تأبيد بقاء تونس في دائرة نفوذها السياسي والعسكري التدخل في الشأن الداخلي فهناك تأكيد من الأمريكيين على عزمهم في تدعيم مسار الانتقال الديمقراطي في تونس على أساس احترام إرادة الشعب التونسي هكذا كان رأي بوعشبة ، وأضاف " غير أن نوعية الدعم تبقى رهينة الاتجاهات التي سيفرزها ذلك المسار وقال "أعتقد أن الإدارة الأمريكية وعن طريق دوائرها المختصة هي ألان في مرحلة دراسة وتحليل مختلف الحراكات القائمة في تونس سوى قبيل الثورة أو بعدها". من ناحيته اعتبر محمد جمور أن الأمريكيين لهم خشية من أن تتجذر هذه الثورة "على مستوى الأفق الاجتماعي والوطني" وأكد أنها " تخشى أن تخرج تونس من دائرة النفوذ الأمريكي والغربي بصفة عامة، الخشية من نظام شعبي ووطني يعيد النظر في العلاقات مع الأمريكيين و الكيان الصهيوني" ,إن الهدف من الزيارات المتتالية إلى تونس هو البحث عن سبل تحقيق تحول ديمقراطي لا يخدم سوى الأجندة الأمريكية لا غير. أما قيس سعيد فقد حلل هذا الاهتمام اللافت للنظر محاولة أمريكية لاحتواء الوضع الحالي في تونس وهو ما يفسر تصريحات الأمريكيين التي تعبر عن تدخل مفضوح في الشأن الوطني، غير أن تونس دولة ذات سيادة ومن المفروض أن يقرر الشعب التونسي مصيره ولا بد من الإعلان عن ذلك، "آخذين في الاعتبار مصالحنا لا مصالح غيرنا".