أطلق مؤخرا مجموعة من المثقفين ميثاقا، سموه «مبادرة المواطنة»، وقد لاقى هذا الميثاق تجاوبا كبيرا من طرف المواطنين، حسب ما أكده أحد مؤسسيه الأستاذ فاضل موسى عميد كلية العلوم السياسية والقانونية بتونس العاصمة، موضحا بأن «مبادرة المواطنة» ترتكز على ثلاثة محاور أساسية: البعد السياسي ونظام الحكم الديمقراطي الذي يصبو اليه جميع التونسيين، والبعد الانساني وما يتطلبه من دعم للحريات والحقوق، والبعد الاجتماعي المتعلق بطبيعة الدولة التونسية المرجوة من قبل التونسيين.. وتشتمل هذه المبادرة على 16 بندا، تهم أساسا المشهد السياسي المنتظر، وما يتطلبه من ديمقراطية حقيقية لا شعاراتية.. والمجال الاقتصادي وما يجب أن يكون عليه من عدل في توزيع ثروة البلاد بكل شفافية وعدم اختلال التوازن الجهوي.. والمجال الاجتماعي الذي لا بد أن يراعى فيه حسب «المبادرة» ضمان حق العمل والصحة والتعليم والمسكن لكافة التونسيين والتونسيات.
مواطنة الشعارات
ويؤكد الأستاذ فاضل موسى أن هذه المبادرة تقطع مع «مواطنة الشعارات»، لتكرس «المواطنة الفعالة والصالحة».. ولكن ما هو موقف الأحزاب من هذه المبادرة؟ ولماذا لم يبادر أي حزب باطلاق مبادرة مماثلة الى حد الآن؟.. في هذا الصدد يقول المولدي الفاهم، عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي: «نحن نحيي هذه المبادرة وندعمها، ونعتبرها عامة للديمقراطية المنشودة، وسننخرط فيها كأفراد وليس كحزب.. فالمواطنون اليوم، يحرصون على أن يكون لهم صوت مسموع، وهذا غير متناقض مع نشاط الأحزاب».. وأشار محدثنا الى «أن هذه المبادرة ليست بريئة تماما، بل يُشتم فيها رائحة السياسة، ورغم ذلك، فلا بد من احترامها والتفاعل معها»..
الأحزاب وطموحات المواطن
ويوضح المولدي الفاهم: «أن المواطن قد لا يجد طموحاته في هذا الحزب أو ذاك، ومن هنا، يسعى الى إبلاغ صوته بطرق أخرى تتجاوز التمثيلية والهياكل».. وفي ذات السياق يقول «لا بد من المشاركة الفعالة من طرف المواطنين وكل مكونات المجتمع المدني، لرسم خارطة تونس الغد، ولنحافظ على هوية تونس العربية الاسلامية، دون تطرف يساري أو يميني».
ميثاق مواطنة
"نقدر هذه المبادرة ونحترمها وننظر اليها بكل اهتمام.. وأنا مستعد ان امضي عليها بصفتي الشخصية". هكذا اوضح احمد ابراهيم الامين العام لحركة التجديد مشيرا الى "أن مبادرة المواطنة" تبدو مدنية بالأساس، لكنها تلتقي مع بعض الهواجس السياسية النابعة من وطنيين غيورين".. وأكد محدثنا ان هذه المبادرة هامة جدا، استنادا الى كونها تدعو الى ضرورة بعث ميثاق مواطنة.. وهي تلتقي مع مبادرات أخرى تصب في ذات الاتجاه وهو حماية أهداف الثورة وتحقيق مطالبها لاسيما تأسيس الجمهورية الجديدة التي ترتكز اساسا على الديمقراطية الحقيقية والحرية والعدالة الاجتماعية.. وهذا الهاجس لابد ان يتبناه الجميع من احزاب ومكونات المجتمع المدني، ومواطنين مستقلين.. ومن جهته يؤكد ابراهيم حيدر (حركة الوحدة الشعبية) ترحابه بهذه المبادرة، قائلا: «إنها تترجم نفس الاتجاه وذات التمشي الذي نصبو اليه جميعا.. ونحن على ذمة مطلقي هذه المبادرة لمشاركتهم والدفع بها وتطعيمها إن لزم الوضع»..
جبهة موحدة
وأوضح عضو المكتب السياسي لحركة الوحدة الشعبية «أن الحركة بصدد التنسيق الآن مع بعض الأحزاب الأخرى لاطلاق مبادرة من هذا النوع، تتبناها جبهة موحدة».. «نحن نتفاعل ونساند أية مبادرة تهدف الى المشاركة في بناء التحول الديمقراطي المنشود من قبل كل التونسيين... ونعتقد أن هذه المبادرة ما هي إلا مساهمة في دفع عجلة الديمقراطية والحرية».. ذلك ما أكده البشير الصيد المنسق العام لحركة الشعب الوحدوية التقدمية، مضيفا «نحن على أتم الاستعداد للمشاركة في هذه المبادرة، باعتبارها وجهة نظر محترمة وايجابية..». ويشير البشير الصيد الى «أن كل الاحزاب متقاربة في طرحها السياسي، فالكل يعمل ويدعو الى تحول ديمقراطي سليم، ولكن الاختلافات بين الاحزاب تكمن أساسا في الجوانب الاقتصادية والثقافية، فلكل حزب تصوراته وطروحاته في هذين المجالين، وقطعا لن يسود ولن يبقى إلا الحزب الذي ينفع المواطن، ويكرّس العدالة الاجتماعية»..
ثقافة المحاسبة
وفي ذات الموضوع، يقول شكري بلعيد (حركة الوطنيين الديمقراطيين): «ثقافة المحاسبة والمبادرة بدأت تتجلى لدى المواطن التونسي، وصوته صار عاليا، وهذه ظاهرة ايجابية لا بد من دعمها والتفاعل معها».. ويؤكد بلعيد أن حركة الوطنيين الديمقراطيين طرحت «عقدا تأسيسيا جمهوريا» على النقاش داخل الهيئة العليا لحماية أهداف الثورة.. وهو حسب قوله مشروع توافقي يؤسس لديمقراطية حقيقية، وهو «عقد ملزم» لا يمكن مخالفته إن تم العمل به..