من الشبان الذين كانت للثورة آثار عالقة على أجسادهم, الشاب وائل القرّافي يبلغ من العمر 19 سنة رجله المبتورة تنبئك بمأساته. شارك هذا الفتى يوم 10 جانفي في تشييع جثة أول شهيد من معتمدية حي الزهور (محمد مباركي) وقد اشتبك الشبان المشيعون لجثمان الشهيد بقوات الأمن(البوب) وحاول هؤلاء منعهم من المرور ولكن أصر أصدقاء الشهيد على مواصلة السير, فأطلق رجال الأمن قنابل مسيلة للدموع مصرين على التفريق وفي اللحظة نفسها كان 5 قنّاصة يراقبون "الوضع" وأطلق 3 منهم النار وقد كانوا متموقعين على سطح احدى الصيدليات. يواصل وائل وصفه "لقد أصبت في البداية في رجلي وهرع الجميع من حولي ولكن أحد أصدقائي عاد لحملي فأخبرته بأن رجلي أصيبت اصابة حادة حتى أنني لم أعد أشعر أنها متصلة ببقية جسدي, وطالبت صديقي بالمغادرة ولكنه أصر على جرّي وحين لاحظ أحد القناصين أنني لم أمت, أطلق في اتجاهي النار مرّة أخرى وكاد يصيب رأسي لولا ألطاف الله ومسارعة حاملي بالتحرك وأصبت في رجلي الثانية". هذا الشاب رغم ما لاحظنا من صلابة تكسو ملامحه وهو يسترجع التفاصيل بكى فجأة وهو يصف المعاملة التي وجدها من الاطار الطبي بالمستشفى الجهوي بالقصرين الذي لم يسارع في تقديم الاسعافات الضرورية له كي لا يضطر أخيرا وبعد 10 أيام من العلاج في ولاية سوسة الى بتر رجله. وقال وهو يصف مشاق العلاج في تلك الفترة "لقد اكتريت "لواج" لأؤمن نقلي بين نابل وتونس العاصمة وسوسة طيلة تلك الفترة ولم أتمتع ببطاقة علاج لأن الولاية لم تستجب الى مطلبي في تسهيل اجراءات التنقل والعلاج وأنفقت ال3000 دينار كاملة والتي منحت للمجروحين من أحداث ثورة 14 جانفي, في فترة وجيزة وأرى أن هذا المبلغ غير كاف كتعويض, فأنا شاب متحصل حديثا على ديبلوم "الالكتروميكانيك" وقد اجتزت الامتحانات بعد بتر رجلي, وأعيل والديّ المريضين منذ سنوات لأنني الأخ الأكبر لفتاة تشكو من عاهة على مستوى عينها, وكل هذه الظروف تزيد من سوء الحال." وحين سألته عن أقصى ما يتمنّى قال: "أريد جراية قارة تساعدني على كفالة عائلتي, وأرجو أن يساعدني مسؤولون من وزارة الصحة لأجري عملية زرع لساق اصطناعية, فأنا أرفض أن أحرم من العمل بسبب عاهة قابلة للاختفاء..هذا كل مطمحي".
شهادات مواطنين بعض المناطق محرومة من الصرف الصحي.. وحاسي الفريد بيوتها آيلة للسقوط كنا أثناء زيارتنا الى القصرين نحاول قدر الامكان الاقتراب من كل الذين التقيناهم في الشارع أو أثناء جلسة وزيري الثقافة والتنمية المحلية مع ممثلين من المجتمع المدني, وسألنا البعض ممن التقيناهم, ما الذي تغيّر في ولايتكم بعد تاريخ 14 جانفي؟ وهل استفدتم من القرارات المتخذة مؤخرا لفائدة الولايات الداخلية والتي ستقضي ان نفذت بشفافية وصدق على تفاقم الفقر والبطالة بهذه الربوع خلال السنوات القليلة القادمة. وقد استقينا هذه الشهادات كردود فعل, وكاجابات حول هذه التساؤلات. محمد بناينية (متخرج منذ سنة 2007 في اختصاص الدراسات العليا في الاتصال) قال "معضلة بطالة أصحاب الشهائد العليا هي أكثر ما يؤرقنا في هذه المرحلة فقد طالت فترة البطالة ولدينا من أبناء القصرين من تخرّج منذ سنة 1998 ولم يشتغل بعد في اختصاصه ولا استطاع ايجاد عمل آخر." ويضيف "أنا فرد من أفراد المعتصمين بساحة الشهداء منذ يوم 23 مارس الماضي وقد علّقنا اضراب الجوع الذي دخلنا فيه بعد 5 أيام من الاعتصام حين استمعنا الى خطاب الوزير الأول الباجي قائد السبسي والذي جاء واعدا بتسريع تنفيذ الخطط التنموية في الولاية وهو مطلبنا الذي قد يغير قليلا من واقعنا المأساوي, كيف لا ونحن لا نبارح المقاهي ليلا نهارا ولسنوات متتالية". "حتّى شي ما تبدّل" وأوضح نزار الفرشيشي (متخرّج منذ سنة 2005 في اختصاص الهندسة المدنية) أن العدد هام من المسؤولين في الجهة يد في ما حدث في القصرين من تلاعب بميزانيات التنمية وقد كانوا غير أوفياء للمنطقة ولأهاليها, وفكروا تبعا لذلك في مصالحهم الخاصة, لذلك نحن نعيش اليوم كارثة تنموية والفقر يجتاح القصرين من كل الجهات رغم ما تتمتع به هذه الولاية من خاصيات فلاحية تجعلها قادرة على تمويل البلاد في المنتوجات الزراعية لو توفّر التفكير في دعم القطاع الفلاحي وتحريكه". ووصف أشرف تاج الدين(متخرج في اختصاص الاقتصاد التجاري منذ سنة 2005) أحياء مثل حي الزهور ومنطقة "حاسي الفريد" مازال اهلها لا يعيشون كبقية التونسيين, فهي تفتقر الى الصرف الصحي وتعبيد الطرقات وتأمين السكن الذي يحفظ كرامة الانسان, وحين تنزل الأمطار ببعض احياء معتمدية"حاسي الفريد" تضطر العائلات الى النوم قبالة بيوتها خوفا من أن تسقط بسبب هشاشتها. وأشار محدثنا الى معضلة الأراضي الاشتراكية التي خصصت للحلفاء والتي لا ينتفع أصحابها في المقابل بما يضمن لهم قوت اليوم وقال "لابد من مراجعة قانون هذه الأراضي في أقرب الآجال". 159 رخصة أفاضت الكأس.. وقد تحدثنا الى بعض سواق التاكسي الذين لم يستبشروا لقرار الولاية الأخير بمنح 159 سائق أجرة الرخصة, علما وأن عدد "التاكسيات" في القصرين يبلغ 241 عربة , وأفاد جل المتحدثين من المعتصمين بسبب استثنائهم من هذا القرار أن العدد قليل ويمكن للولاية أن تلحق 70 أو 80 سائقا جديدا بالبقية الذين تحصلوا على الرخصة واعتبروا من المحظوظين لو قارنا أقدميتهم أو ظروفهم الاجتماعية بالبقية التي اعتصمت. هشام المدايني سائق تاكسي منذ سنة 1983 قدّم 7 مطالب للولاية ليتمتع بالرخصة وهو أب لطفلين وليس له مورد رزق آخر غير عمله كسائق ويعاني محدثنا -حسب قوله- من آلام مزمنة بالظهر يتغلب عليها بالعلاج, وقد كان من بين المعتصمين أمام الولاية وطالب بحل عاجل لسواق سيارات الأجرة وخاصة أولئك الذين ظلمتهم الولاية مؤخرا. نادية برّوطة