بطاقتا ايداع بالسجن في حق رئيس جامعة السباحة و م.ع وكالة مكافحة المنشطات    وزارة الصحة: انتداب 3000 خطة جديدة خلال السداسي الثاني من سنة 2024    صفاقس : ايقاف المنحرف الذي قام بطعن تلميذ امام اعداديّة الافران    طقس الليلة.. امطار متفرقة ورعدية بعدد من الجهات    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    ضمن تصنيف الجامعات العالمية..جامعة تونس المنار تحتل المرتبة 948 عالميا والأولى وطنيا    سعيّد: "أكثر من 2700 شهادة مدلّسة.. ومن دلّسها يتظاهر اليوم بالعفّة"    ''قطاع التأمين: ''ندعم قانون المسؤولية الطبية.. فلا بد من تأطير قانوني    العثور على جثتي راعيين : الاذن بإيقاف شخصين من دول إفريقيا جنوب الصحراء    مجلس وزاري مضّيق للنظر في قانون تنظيم الجمعيات    حجز أكثر من 4 ألاف لتر من الزيت المدعّم وأطنان من السميد والفارينة بمخزن في هذه الجهة    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    واقعة حجب العلم الوطني بمسبح رادس.. فتح بحث تحقيقي ضد 9 أشخاص    سوسة: سائق سيارة تاكسي يعتدي بالفاحشة على قاصر    وزير الفلاحة: مؤشرات إيجابية لتجربة الزراعات الكبرى في الصحراء    في أكبر محاولة لتهريب الذهب في تاريخ ليبيا: السجن ضد مسؤولين كبار    بنزرت: ضبط ومتابعة الاستعدادات المستوجبة لإنجاح موسم الحصاد    سليانة: تقدم عملية مسح المسالك الفلاحية بنسبة 16 بالمائة    المحامي : تم حجز هاتف و حاسوب مراد الزغيدي    البنك التونسي ينفذ استراتيجيته وينتقل الى السرعة القصوى في المردودية    كأس تونس: برنامج النقل التلفزي لمواجهات الدور ثمن النهائي    إتحاد تطاوين: سيف غزال مدربا جديدا للفريق    سيدي بوزيد: توقّعات بارتفاع صابة الحبوب بالجهة مقارنة بالموسم الماضي    المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات: الشركة التونسية للبنك تدعم مقاربة الدولة للأمن الغذائي الشامل    من هو وزير الدفاع الجديد المقرب من فلاديمير بوتين؟    جمعية القضاة تستنكر استهداف المحاماة والإعلام..    الكرم: القبض على افريقي من جنوب الصحراء يدعو إلى اعتناق المسيحية..وهذه التفاصيل..    عاجل : الكشف عن وفاق اجرامي يساعد الأجانب دخول البلاد بطرق غير قانونية    الديوانة التونسية تضرب بعصا من حديد : حجز مليارات في 5 ولايات    5 جامعات تونسية تقتحم تصنيفا عالميا    تفاصيل جديدة بخصوص الكشف عن شكبة إجرامية دولية للاتجار بالمخدرات..#خبر_عاجل    مسؤولة بالستاغ : فاتورة الكهرباء مدعمة بنسبة 60 بالمئة    مغني الراب سنفارا يكشف الستار : ما وراء تراجع الراب التونسي عالميا    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    إيران تعلن عن مفاوضات لتحسين العلاقات مع مصر    تصفيات أبطال إفريقيا لكرة السلة: الإتحاد المنستيري يتأهل الى المرحلة النهائية    ليلة ثالثة من الأضواء القطبية مع استمرار عاصفة شمسية تاريخية    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    رئيسة لجنة الشباب و الرياضة : ''لم تحترم الوزارة اللآجال التي حددتها وكالة مكافحة المنشطات ''    نائبة بالبرلمان : '' سيقع قريبا الكشف عن الذراع الإعلامي الضالع في ملف التآمر..''    راس الجدير: ضبط 8 أفارقة بصدد التسلل إلى تونس بمساعدة شخص ليبي..    بطولة ايطاليا: تعادل جوفنتوس مع ساليرنيتانا وخسارة روما أمام أتلانتا    بين الإلغاء والتأجيل ... هذه الأسباب الحقيقة وراء عدم تنظيم «24 ساعة مسرح دون انقطاع»    المالوف التونسي في قلب باريس    أرسنال يستعيد صدارة البطولة الإنقليزية بفوزه على مانشستر يونايتد    نتنياهو: نناقش "نفي قادة حماس.."    مصر: انهيار عقار مأهول بالسكان في الإسكندرية وإنقاذ 9 أشخاص    دربي العاصمة 1 جوان : كل ما تريد أن تعريفه عن التذاكر    دراسة تربط الوزن الزائد لدى الأطفال بالهاتف والتلفزيون..كيف؟    مئات الحرائق بغابات كندا.. وإجلاء آلاف السكان    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهم فخر تقديم 58 شهيدًا
الڤصرين مازالت تئن إلى الآن: ألف قبلة على جبين بواسل كلّ جهات الڤصرين
نشر في الشعب يوم 19 - 02 - 2011

أي نثر يليق بشعرهم... وأي قصائد تُوفي وصف ملاحمهم وأي حديث يرتقي ليروي مَا قدّموا للبلاد... إنّها الڤصرين وإنّهم أهلوها، منطقة الڤصرين بأحيائها وشوارعها وساحاتها التي قدّمت قرابة ستين شهيدًا قبل وبعد 14 جانفي...
كانت المسيرات تكبر والمظاهرات تتسّع كلّما سقط شهيد جديد... كانت الأمّهات تدفعنَ بأبنائهنّ وبناتهنّ للخروج والاحتجاج فلا معنى لحياة عاشوها طويلاً بلا كرامة... عاش أهالي الڤصرين بلا شغل بلا مرافق عموميّة: بلا بنية تحتيّة... لا مصانع، لا منشآت عموميّة، لا أطباء اختصاص، لا مرافق صحية قادرة على رعاية صحّة السكان بشكل ملائم... لا شيء في الڤصرين أكثر من صدق أهلها ونُبلهم وإصرارهم على نيل حقوقهم كمواطنين تونسيين... كان الرصاص الذي اخترق الجباه والصدور والأعناق وهشّم الجماجم وقودًا لنار الثورة التي احتدت قبل أيّام معدودات من 14 جانفي في منطقة الڤصرين فزغردت الأمّهات في حي الزهور وحي النور كلّما روّى دم شهيد جديد أرض مدينتهم كانوا يُطاولون طريق الشّمس ويمسكون بوهج الحريّة... لم ينتبهوا أبدًا إلى تعداد الشهداء بل كلّما سقط منهم شهيد أثناء مسيرة أو جنازة أو حميّة عائلة، كانوا يواصلون الطريق مرفوعي الهامات والقامات هاتفين »فإمّا حياة وإمّا فلا« لم يكن لديهم ما يخسرونه أكثر من حياتهم وقد ربحوها وهم يمنحون بتضحياتهم هذا الوطن حرّيته.
زرنا الڤصرين مشاركين في قافلة رمزيّة انطلقت من بطحاء محمد علي ونظمتها نقابة المهن الموسيقية بالتنسيق مع الاتحاد الجهوي للشغل بتونس بغاية أساسيّة هي شكر هؤلاء الأهل الطيّبين في منطقة الڤصرين على ما قدّموه لنا والذين تجاهلهم الاعلام طويلا وكأنّّهم كانوا ينتمون إلى قطر شقيق.
كان الطريق طويلاً وصعبا مررنا خلاله إلى محافظة سليانة لنتأكد أنّ الطريق إلى الڤصرين قد صارت أكثر أمنًا بعد أن تناهت إلى أسماعنا أحاديث عن عمليات قطع المسالك وأحداث النّهب...
منذ غادرنا مدينة الروحية في اتجاه محطّتنا النهائية. الڤصرين انبرت على جنبات الطريق بيوت صفراء مهدّمة أبوابها منعزل بعضها عن بعض...
وِهادٌ على سفوح هضاب تحتلها خرفان بيضاء ويتبعها صبية يتلهون بقلع الخرشوف أو تسلّق الأحجار... كانت الأزهار تنبت على خجل والمنبسطات تتقلّص وملامح الخصاصة تلوح في بعض المساكن التائهة في الفلاة وصولا إلى مدخل المدينة التي احتلّها قوس عملاق بالتأكيد أنّه سيصبح قوس نصْرٍ بعد 14 جانفي 2011 اعترضنا الأخوة النقابيون في جهة الڤصرين مع سيارة من الجيش الوطني لتقودنا مباشرة إلى المستشفى الجهوي بالمنطقة الذي بدا منذ أبوابه الأولى أنّه يفتقر لعديد الأشياء ثمّ وبالحديث مع الاطار شبه الطبّي تأكّدت المعاينات وباستجواب ضحايا الرصاص انجلى حجم الظلم الذي سُلّط ومازال على أهالي الڤصرين.
❊ ضيم وظلم وقهر
من لم يستبطن في مخيّلته الصور البشعة للقتل وجثث شهداء الڤصرين الملطخة بدماء الحريّة، كانت هذه المشاهد ترتسم في بواطن عقولنا ونحن نستعدّ لدخول المدينة ونستعدّ أيضا لاستقبال آثار النحيب وصدى البكاء على فلذات الأكباد التي مزّقها رصاص الغدر، في مدخل الڤصرين يصيح عصام وفيصل عمارة: »لم يكف البوليس البطالة المتفشّية والفقر والفساد، بل تمادى في القضاء على أبنائنا وشبابنا«.
رائحة الموت تخيّم على المدينة وآثار التقتيل بادية، وعلى امتداد الطريق إلى المستشفى الجهوي تتراءى الوجوه الصفراء الذابلة والغامضة، فقد تخبّئ هذه الوجوه أملا مثلما قد تخبّئ يأسا من المستقبل الذي يبدو أنّه مازالت تتحكّم فيه قوى الشدّ إلى الوراء على حدّ تعبير أحد المشاركين في القافلة.

المستشفى مثّل بامتياز رمزًا للمهانة وانتهاكًا للحق في الصحة من قبل النظام الدكتاتوري الفاشي، فالبناية مهدّدة بالسقوط في أي لحظة وشروط حفظ الصحة تكاد تكون منعدمة والنقص في الاطار شبه الطبي والطبي واضح للعيان، ويؤكد الموسيقي جمال العلوي أنّ أبسط المرافق والمعدّات منعدمة وسيارات الاسعاف مفقودة وغابت أقسام التحاليل المخبرية والأشعة والسكانار والمواعيد مهمّشة.
مستشفى الڤصرين يئن منذ سنوات وزاد في ألمه وجرحه فساد من يديره حسب عديد الآراء في الجهة، وقد اختلط أنين المستشفى بدموع وآهات جرحى الثورة الذين لم يجدوا من مكان يحتمون فيه ويتلقون العلاج فيه إلاّ المستشفى وملائكة الرحمة من أعوان وممرضين وممرّضات هبّوا لنداء الواجب رغم ضعف الامكانيات.
خلال عمليّة استقبال القافلة في ساحة المستشفى، لم يكن هناك أي هاجس إلاّ زيارة الجرحى، الجرحى من أبطال الثورة.
خيرة شباب تونس كانوا هناك وسط غرف ضيّقة انعدمت فيها تجهيزات تبيّن أنّنا في القرن 21، ووسط المكان الضيّق المبعثر والتهوئة المنعدمة والأسرة الحديدية، ظهر البطل الشباب وائل قرافي الذي كان يتلقى تكوينًا مهنيًآ وينتمي إلى عائلة فقيرة جدّا، ظهر البطل على كرسي متحرّك وهو في العشرين من عمره، كان فوق كرسي متحرّك لأنّه خسر ساقه اليمنى بسبب رصاصة غادرة أطلقتها امرأة قنّاصة دون رأفة أو حبّ امرأة عشّشت في قلبها قيم الكره والاستبداد والتعذيب، بل أطلقت عقيرتها بالضحك عندما أصابت وائل.
وائل تساءل »لماذا حرمتني من ساقي، أليس لها أبناء؟« وأضاف »إنّي أريد محاسبة من قتل، وأطالب بحق كل شباب الڤصرين المنتفض«.
وائل لم يكن لوحده، بل إنّ رفيقه الزيدي الرطيبي أسرع لإنقاذه وإعانته لكن نفس المرأة القنّاصة سارعت بقنصه كذلك وأصابته في مستوى قدمه.
في نفس الحجرة الضيقة، صاح أنيس النديري المُصاب في يده اليسرى برصاصة وقال إنّه تمّ قنصه عندما كان وسط مسيرة وطالب باسم شباب حي الزهور وحي النّور والعريش بالحق المسلوب إلى الآن ونُصرة الكادحين في الڤصرين.
أمّا في قسم الحروق الذي كان قسما بالاسم فقط ولا ندري ماذا تفعل مصالح وزارة الصحة إلى الآن لتدعيمه بالحدّ الأدنى من التجهيزات على الأقل، هناك كان السيد محمد بن عبّاس مشلّي ذي الخمسين سنة وهو الذي أضرم النار في نفسه يوم 26 ديسمبر 2010 احتجاجا على وضعيته الاجتماعية المزرية وعجز عن عدم تمكّنه من تلبية أدنى الحاجيات الضروريّة لأبنائه الثلاثة الذين اضطرّوا إلى ترك مقاعد الدراسة بسبب الخصاصة. تقول زوجته التي احمرّت وجنتاها من الدّموع الحارّة إنّ زوجها لا يملك مصدر الرزق ولا امكانية شراء أدوية حروقه رافعة يدها إلى السماء طالبة المعونة ومدّ يد المساعدة ليس لها ولعائلتها فقط بل لكلّ أهالي الڤصرين الأبطال المحرومين من الخبز ومن الاهتمام.
هذا هو قدر الڤصرين، الحرمان والفقر والقتل، لم يسلم منها أي انسان حتى الأطفال، فقد استشهدت يقين القرمازي ذات 6 أشهر اختناقًا بالغاز عندما داهم »الكلاب« حمام النساء وعاثوا فيه فسادًا واعتداءً وضربًا.
إنّها مجزرة على حدّ تعبير وليد العلوي منسّق لجنة تحقيق أهداف الثورة، لقد مسّ الرصاص كلّ مكان في الڤصرين في حي الزهور، في حي السلام في حي النور وبدأ الشهداء يتساقطون الواحد تلو الآخر وأوّلهم الشاب صلاح الرطيبي الذي باستشهاده رسم ربيع ثورة الڤصرين، ربيع ثورة تونس ضدّ الطغيان والقهر ومن أجل كرامة الكادحين.
❊ في حي الزهور
حي الزهور، حي شعبي مثله مثل كلّ الأحياء الشعبيّة في تونس تتفشّى فيه البطالة بشكل كبير، لكنّه في هذه الثورة تميّز بشيء وجيه، تميّز بأنّه قدّم أكثر عدد من الشهداء، عشرات الشباب الذين وهبوا أرواحهم نحو مستقبل أفضل تونس نحو القضاء على الارهاب والفاشية والفساد.
تعالت الزغاريد في ساحة الشهداء بحي الزهور ترحيبًا بمناضلات ومناضلي الاتحاد العام التونسي للشغل، وارتفعت الهتافات والشعارات المنادية بالحرية والكرامة وذبح الخروف للضيوف مثالاً لحسن الضيافة والكرم رغم الفاقة والحاجة...
❊ نادي الشهداء بحي النور
حي النّور، هو كذلك أحد الأحياء الشعبيّة الفقيرة الذي كان له شرف اهداء الثورة التونسية عديد الشهداء، هناك قام الأهالي المناضلون بافتكاك مقر لجنة التنسيق لحزب الدستور وإعلان نادٍ للشهداء حيث رُفعت صور الشهداء واللافتات المنادية بالحقوق وكذلك بإسقاط الحكومة.
محمد الطاهر العلوي وهو أحد متساكني حي النور يطالب بالتعويض المعنوي والمادي ومحاسبة من قتل الأبرياء علاوة على ضرورة الاعتناء بالجرحى والمصابين المحرومين إلى الآن من العلاج وهذا أضعف الايمان ويذهب زميله نورالدين الزرفي في نفس المنحى ويُضيف أنّ على الدولة توفير منحة بطالة للمعطلين عن العمل إلى حدود توفير شغل قار لهم كما أكّد أنّ الڤصرين بشهدائها ومُصابيها وفقرائها ليس لديهم أي ثقة في أي عضو من أعضاء الحكومة الحالية«.
ريبورتاج سلمى الجلاصي وصبري الزغيدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.