منذ انبعاثها والهيئة العليا لحماية أهداف الثورة تسعى بجهد لتكون في مستوى تطلّعات الشارع التونسي الذي عهد لها بحماية ثورته التي أطاحت بالطاغوت بن علي.. إلا أن عواصف هوجاء بدأت تهبّ على الهيئة وباتت ترشق "باللاشرعية" ودحضت بعض الأطراف الوفاق الحاصل حولها ناهيك أن القرارات الصادرة عنها لم تحض في غالبيتها بالإجماع سواء من الفرقاء السياسين أو من الشارع التونسي . وبالرغم من كونها قرارات استشارية تغيب عنها القوة الإلزامية فإن هذه القرارات لم تجد حولها وفاقا كما هو الشأن بالنسبة لممثليها؛ بل كانت محل جذب وشدّ في العديد من المحطات . فإذا كانت بعض القرارات وجدت هوى في نفوس من تخدمهم فإنها كانت محلّ جدال وتحفظّات ممن لم يجد نفسه في الوضع إلإيجابي بالنسبة لقراراتها..وزاد في تعكيرالجوّ العام داخل الهيئة انسحاب بعض الأعضاء المؤثرين والمتعللين إجمالا بكون نقاشات الهيئة غابت عنها متطلبات المصلحة العامة وطغت عليها الأجندات السياسية لبعض الأحزاب..ومثل التناصف والنظام الانتخابي والفصل 15 من أهمّ القرارات التي تمخّضت عن الهيئة والتي كانت لها تداعياتها على مستوى الشارع وحتى على مستوى أعضائها الذين تواترت انسحاباتهم.. «الأسبوعي» رصدت آراء بعض المنسحبين وقيّمت أداء اللجنة والتعاطي الحكومي مع قراراتها وانعكاس ذلك على الشارع التونسي مع عبد العزيز المزوغي العضو المنسحب ومع إسكندرالفقي المحلّل السياسي التونسي وعضو لجنة المحامين الذي طعن في شرعية أعمال لجنة الفساد والرشوة.. «رفضت التصويت بالمقايضة..» أثار انسحاب عبد العزيز المزوغي من الهيئة العليا لحماية أهداف الثورة تأويلات كثيرة خاصّة أنه من الشخصيات المستقلة داخل الهيئة التي تعرف بعدم موالاتها لأي طرف . الأسبوعي اتصلت بالأستاذ المزوغي الذي أفادنابقوله: «منذ انعقاد الجلسات الأولى للهيئة لاحظت أن النقاش لم يكن مستفيظا حول الكثير من المسائل الجوهرية التي أردناها أن تكون اللبنة الأولى للتأسيس للمجلس التأسيسي. فالنقاش لم يكن في مستوى الرهانات خاصّة أن المواضيع المطروحة كانت على درجة عالية من الخطورة والدقة. فالتناصف أو النظام الانتخابي أو الفصل 15 لا بدّ أن يحظى بنقاش معمّق، والوقت الكافي لهذا النقاش، وعندما طلبت من رئيس الهيئة تمكين الأعضاء من وقت إضافي لتمحيص وتدقيق الأمور تعلّل بضيق الوقت واعترض بشدة.»وحول تصرّفات أعضاء الهيئة يقول الأستاذ المزوغي:» شعرت أن الكثير من ممثلي الأحزاب لم تكن لهم نية الوفاق بقدر ما كانت لهم نية الحسم على أرائهم وما يقترحونه..وأمام كل ما تقدّم رأيت أنه من غير الممكن التصويت بمقايضة بين أنصار المناصفة وأنصار نظام القوائم.» المسؤولية التاريخية فرضت الانسحاب وعن توقيت الانسحاب ومبرّراته يجيب الأستاذ المزوغي: «الانسحاب كان بدافع الشعور بوزر المسؤولية التاريخية فلا يمكن بحال أن أشارك في الصياغة أو التصويت على قرار قد تكون تداعياته وخيمة في مستقبل الأيام على الشعب التونسي، وهو نفس الموقف الذي اتخذه إحميدة النيفر..خاصّة وأن أشغال جلسات الهيئة كانت تنمّ عن عدم التجربة . فلا يمكن إطلاقا التناقش على قانون في حجم «القانون الانتخابي» في جلسات عامّة طغت عليها الخطب وتركت المجال واسعا أمام لجنة الخبراء التي ابتعدت رويدا رويدا على ما كان من واجبها وهو الحياد..وبالنسبة لقرارالانسحاب أعتقد أنه كان الأجدر أن يتمّ أثناء تطعيم الهيئة بحيث قفزعدد الأعضاء من 71 الى 155 عضوا..فحتّى التناصف فهو مجرّد قرار ولا يمكن لاعتبارات موضوعية الحصول على تناصف حقيقي..كما أني كنت أحبّذ الاقتراع على الأفراد الأكثر شفافية من الاقتراع على القائمات.» محاربة طواحين الريح.. ولئن أثار موقف الوزير الأوّل من الفصل 15 القاضي( بتشريك التجمعيين في المشهد السياسي بتخفيض «الحظر» المفروض عليهم من 23 سنة الى 10 سنوات ) حفيظة البعض حتّى من داخل الهيئة فإن الأستاذ المزوغي يرى أن الحكومة مسكت العصا من النصف. فاستبعاد الناس لا يكون جزافا بل يكون ضرورة توفّر حكم قضائي؛ رغم أنه من الناحية الرمزية، لا بدّ من معاقبة من تسبّب في جرائم ضدّ الشعب التونسي. واعتقد محدّثنا أن ذلك لن يؤدي الى قطيعة بين الهيئة والحكومة ، والكرة الآن في ملعب الأحزاب لتثبت مكانتها وتكون في مستوى الاستحقاق الانتخابي المقبل ويتخلّص عدد كبير منها من دور» دون كيشوت» في محاربة طواحين الريح واختلاق أعداء وهميين. فصندوق الاقتراع هو الفيصل بين مختلف الأحزاب . وأكّد الأستاذ المزوغي على ضرورة تجاوز الإجرام الذي اقترف في حق الشعب التونسي والمتمثّل في إضاعة الوقت إبان حكومتي الغنوشي الأولى والثانية. فنحن خرجنا من الاستبداد لكن ما زلنا لم نبن أي لبنة من لبنات الديمقراطية. منية العرفاوي
محلل سياسي: برنامج تجمعيي بن علي 2014..ما زال قائما رغم أن الأمر شبه محسوم فيما يتعلّق بالفصل 15 من القانون الانتخابي الذي يخوّل للتجمعيين ممن تقلّد مناصب منذ أكثر من 10 سنوات المشاركة في المجلس التأسيسي فإن متتبعي الشأن السياسي كانت لهم احترازات على هذا القرار. «الأسبوعي» التقت بالأستاذ إسكندر الفقي الذي أكدّ في حديث جمعنا به «أن للتجمعيّين مشروعا لم يكتمل قد بدأوا فيه إلاّ أن الثورة باغتتهم فقد بايعوا رئيسهم المخلوع من أجل بقائه في الرئاسة الى الأبد بما أنه خيارهم الواحد الأوحد..وإلى تاريخ اليوم لم نسجّل تراجع التجمعيين عن مبايعتهم لبن علي كما لم نسجّل موقفا لهم عن بقائه في السلطة وهو ما يعني أنهم سيواصلون بن علي خيار المستقبل والمطالبة بالسلطة 2014. ولا يمكن أن نهمل حقيقة مفادها أن التجمعيين بعد الثورة بات قوة . فقبل هذا التاريخ لم يكن لهم وزن سياسي . لقد كانوا بيادق المخلوع في التعبئة والتحشيد مقابل التمعّش من خيرات البلد غيرأن الثورة أصابتهم في مقتل لأنها سدّت أمامهم أبواب الامتيازات و التمعّش من خيرات البلاد وبالتالي هذا يعتبر تحجيما لنوازعهم الانتهازية.»ويضيف الأستاذ الفقي: «من الغريب أن نشرك التجمعيين في المجلس وفي صياغة دستور جديد للبلاد . فمن أجرم في حقّ قيم الجمهورية بسلخ الدستور وإقرار الرئاسة مدى الحياة لا يمكن بشكل من الأشكال أن يصنع مستقبل تونس في قادم الأيام و أن يؤسّس لبناء الجمهورية بدعوى المصالحة وعدم الاقصاء.فالمصالحة تقتضي المحاسبة وكشف كلّ من لوّث يديه بالفساد. وهذا لم يحدث الى حدّ الآن. كما أنه لم يصدر من التجمعيين موقف يصبّ في خانة الاعتراف بالجرم والاعتذار للشعب التونسي. وهو اعتذار معنوي قد تنسحب آثاره إيجابا على وجودهم عموما في المشهد السياسي التونسي.»ويضيف محدّثنا: «أن أشدّ ما أخشاه في الاقتراع القادم لانتخابات المجلس التأسيسي أن يتم التصويت من التجمعيين كعقوبة لبعض الأطراف التي تستمدّ وجودها من «مشروعية المظلومية» والتي تحتاج لتحشيدهم لضمان الأصوات..وأخيرا لا بدّ أن نشيرأن هذا لا يعني التنكيل أو الاجتثاث بقدر ما هو حماية لمكتسبات الثورة. وكان من الأجدرأن يتحلّوا بقليل من الحياء وينسحبوا من الحياة العامة على الأقل لأجل منطقي حتى تهدأ الخواطر وتستقر النفوس.» منية
رضا بوزريبة يتحدث عن الفصل 15: «الهيئة العليا يوجد من هو أعلى منها ويحتكم للأقلية» وتواصل نزيف الانسحابات بعد خطاب الباجي قائد السبسي حول الفصل 15 حيث طلب المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل من ممثليه في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الدّيمقراطي الإنسحاب في حال تمسّكت الحكومة بموقفها من الفصل 15 بتعديله والتخفيض في فترة منع مسؤولي التجمع من الترشح للتأسيسي من 23 سنة الى 10 أعوام وحذف أعضاء الحكومة في عهد بن علي من قائمة الممنوعين.. الأغلبية رافضة لكن...! ورغم أن أعضاء الهيئة صوّتوا بالأغلبية لمقترح 23 عاما فإن الحكومة عدّلت ذلك وتدخّلت وخفّضت مما أدّى رفض أعضاء الهيئة مع التعديل بما في ذلك اتحاد الشغل الذي قد يقرر سحب ممثليه من الهيئة لعدة أسباب يرى رضا بوزريبة الأمين العام المساعد وعضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي انها غير منطقية إذ يقول:« مادامت الحكومة لم تأخذ بما أعدّته الهيئة العليا وصوّتت عليه بالإجماع لماذا كل هذا التّعب وماراطون الجلسات والنقاشات، وكان حريا بنا أن نلازم مواقعنا ولا نتدخّل، وأعتقد أن هذا الموقف يتبناه المكتب التنفيذي وأغلب الظن أنه لن يواصل في الهيئة العليا إذا لم نسجل أي تراجع في موقف الحكومة بخصوص الفصل 15 من القانون الانتخابي.. وهو ليس موقفنا نحن فقط فجل الأعضاء رافضون لما حدث...». عياض بن عاشور قد يستقيل أما حول امكانية الإنسحاب من الهيئة العليا في حال عدم تراجع الحكومة من موقفها قال بوزريبة «أعتقد أن نصف أعضاء الهيئة سينسحبون وليس ممثلي الاتحاد فقط وهذا أمر طبيعي فبعد التصويت على القانون الانتخابي وجه الوزير الأول المؤقت الباجي قائد السبسي دعوة ل14 عضوا (وكنت واحدا منهم) لمناقشة الفصل 15 وقدمنا له وجهات نظرنا وفسرنا أسباب التصويت بالاجماع على مسألة استثناء الذين انتموا للنظام السابق لكنه في النهاية غير وخفض وهذا غير معقول ففي البداية هناك استجابة للمقترح ثم نجد الوزير الأول يستجيب لرغبة الأقلية في ما بعد يعني أن الهيئة «عليا» اسما فقط لأنه يوجد من هو أعلى منها ويُغيّر ما كانت صادقت عليه لذلك حتى عياض بن عاشور قد يستقيل بدوره لأنه لم يعلم بهذه التغييرات ولا أيضا تمت استشارته وهذا غير مقبول وفي الوقت ذاته كان على الباجي قائد السبسي أن يجد مخرجا ثالثا بدل تغيير مضمون الفصل 15 فقد تحدّث عن ضرورة عدم اعتماد أسلوب الإقصاء لكنه مارسه في نفس الوقت لأن التخفيض الى 10 سنوات هو أيضا إقصاء للتجمعيين وهنا الحكومة ناقضت نفسها..». ولاحظ محدثنا أن الموقف النهائي للاتحاد مرتبط بمدى استجابة الوزير الأول لما نادى به جل أعضاء الهيئة العليا وهو عدم المس من مضمون الفصل 15 والاستجابة لما صوتت عليه الاغلبية لأنه بمثل هذه الطريقة في التعامل والتجاذبات يصبح موعد 24 جويلية مشكوكا في الالتزام به في ظل ما يحدث أو الانفلات في عديد المجالات والميادين... عبد الوهاب الحاج علي