في خطوة غير متوقعة، قررت محكمة التعقيب أمس، قبول القضيتين المتعلقتين بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان شكلا، ورفضهما اصلا، وهو ما يعني من الناحية العملية، اقرار الحكم الاستئنافي الصادر منذ العام 2001، والقاضي بابطال المؤتمر الخامس للرابطة وجميع القرارات والهيئات المنبثقة عنه... تونس - الصباح وكانت مجموعة من الرابطيين (مسؤولون عن فروع وبعض المنخرطين)، رفعت دعوى قضائية مباشرة إثر انعقاد المؤتمر الخامس المنعقد سنة 2000، طعنت من خلالها في نتائج المؤتمر «استنادا إلى جملة الخروقات القانونية المسجلة»، حسب اعتقادهم، وطالبوا بابطال هذه النتائج من قرارات وهيئات منبثقة عن المؤتمر، بما في ذلك - بل وأساسا - إلغاء عملية دمج بعض الفروع التي كانت الهيئة المديرة قررته بذريعة الضغط على النفقات والمصاريف وتفعيل هياكل المنظمة في الجهات.. في تلك الأثناء، وقبل صدور الحكم الابتدائي، رفعت المجموعة دعوى استعجالية، طالبت فيها بتعيين حارس قضائي على المنظمة، وهو ما قضت به المحكمة من خلال تعيين السيد رؤوف منجور، باعتبار حياديته عن طرفي النزاع... وبالتزامن مع ذلك، قررت المحكمة الابتدائية في فيفري من سنة 2001، إبطال المؤتمر الخامس للرابطة وجميع القرارات والاجراءات الصادرة عنه، لكن الهيئة المديرة للرابطة، استأنفت الحكم الابتدائي، وطعنت في قرار تعيين حارس قضائي على المنظمة.. غير أن محكمة الاستئناف، وإن أكدت الحكم الابتدائي فيما يتعلق ببطلان المؤتمر الخامس والاجراءات المنبثقة عنه، الا أنها كلفت الهيئة المديرة للرابطة (القائمة حاليا) بمهمة الإعداد من جديد للمؤتمر «طبق الصيغ المستمدة من القانون الأساسي والنظام الداخلي»، وفق الصيغة القانونية للمحكمة.. لكن «المجموعة الرابطية» التي فجرت القضية، عادت لترفع دعوى قضائية لدى محكمة التعقيب، طالبت من خلالها بنقض القرار الاستئنافي جزئيا خاصة فيما يتعلق بتعيين الهيئة المديرة الحالية كمتصرف قضائي بغاية إعادة انجاز المؤتمر الخامس، وإعادة مؤتمرات الفروع.. فيما تقدمت الرابطة بدعوى مماثلة تضمنت 8 طعونات في الملف القضائي المقدم للمحاكم ضد الرابطة... دعاوى جانبية... وكانت السنوات الماضية شهدت بالتوازي مع هذه التطورات، رفع دعاوى قضائية عديدة من بعض الفروع طالب بعضها بابطال مؤتمرات الفروع، فيما طالب آخرون بعدم مشروعية فروع محددة (الزهراء وحمام الأنف على سبيل المثال) بالنظر إلى خضوعهما لقرار الدمج المرفوض من عدة فروع.. وهكذا قضت الرابطة نحو عشرية كاملة في هذا المسلك القضائي، دون التوصل الى نتائج من شأنها اخراج المنظمة من «عنق الزجاجة» الذي دخلته. وعلى الرغم من المبادرات الكثيرة والمتعددة التي تقدم بها حقوقيون وشخصيات رابطية من الهيئات القديمة والجديدة، لتسوية الخلاف وغلق ملف التقاضي، بقيت دار لقمان على حالها، بل إن «تدخل» الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات، التي يرأسها السيد منصر رويسي، لايجاد مخرج لهذه الأزمة، لم تتمخض عنه نتائج ملموسة في ضوء تباعد وجهات نظر الأطراف المعنية إلى حد التناقض أحيانا... فهل يكون قرار محكمة التعقيب الصادر أمس مدخلا لأفق جديد للرابطة؟ معادلة التوازن... السيد محمد جمور، محامي الرابطة والعضو المنخرط في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، قال في تصريح ل«الصباح» ان قرار محكمة التعقيب، «أبقى على معادلة التوازن في هذا الملف، فقد أقر مطالب الطاعنين في الحكم الاستئنافي، من حيث بطلان جميع اجراءات وقرارات المؤتمر الخامس من ناحية، ولكنه أبقى - من ناحية أخرى - على الجزء المهم، وهو تكليف الهيئة المديرة الحالية بإعادة تنظيم المؤتمر. وحول ما إذا كان هذا القرار القضائي النهائي، بمثابة الرسالة للهيئة المديرة لكي تنجز المؤتمر بعد أن أغلق المسلك القضائي، أعرب جمور عن أمله في أن تتجه التأويلات لقرار محكمة التعقيب في هذا الاتجاه.. وشدد على «دور السلطة في تيسير عقد المؤتمر»، لكنه أقر «بضرورة تنازل طرفي القضية»، مؤكدا أن «لا أحد على هذه الضفة أو تلك، يمكن أن يعد نفسه من الرابحين مما جرى للرابطة». وقال محامي الرابطة: «أتمنى أن يكون القرار فاتحة خير للرابطة». نحو الحل الوفاقي لكن السيد الشاذلي بن يونس، الرابطي وأحد الأطراف التي رفعت دعوى قضائية لإبطال المؤتمر الخامس، انتقد القرار الصادر عن محكمة التعقيب، خاصة فيما يتعلق بالابقاء على تكليف الهيئة المديرة للرابطة كمتصرف قضائي عهد إليها بإعادة تنظيم المؤتمر بعد إعادة مؤتمرات الفروع. وقال «ان قرار المحكمة لم ينصفنا في هذا الجانب، إذ ليس من المنطقي أو المعقول تعيين أحد طرفي النزاع متصرفا قضائيا».. إلا أن بن يونس، اعتبر في المقابل أن الحكم التعقيبي «أنصفنا، لأنه أكد صحة دعوانا بخصوص بطلان انتخابات الجلسة العامة لسنة 2002 وتأكيد خرق الهيئة المديرة للقانون، وبالتالي عدم شرعية قيادتها للرابطة».. ولم يخف بن يونس من ناحية أخرى ترحيبه بالتداعيات الممكنة للقرار القضائي، قائلا في هذا السياق: «لم يعد ثمة من خيار سوى البحث عن حل وفاقي جدي لإنهاء هذا القوس في تاريخ الرابطة».. ودعا إلى «الاسراع بتشكيل لجنة لوضع مسار الحلول الوفاقية» على السكة، لكنه لم يستبعد «الخيار القضائي المتوفر»، إذا ما أحس الرابطيون بعض التسويف أو التلكؤ في التعامل مع هذا المستجد.. يذكر في هذا السياق، أن الحلقة الأخيرة في مجال التقاضي، تتمثل في رفع دعوى استعجالية لإنهاء وجود الهيئة المديرة الحالية ضمن مقر الرابطة، الأمر الذي دعا السيد الشاذلي بن يونس إلى استبعاده دعما لخيار التسوية لملف الرابطة. مرحلة تاريخية جديدة من جهته، اعتبر السيد عبد الرحمان كريم، المحامي والحقوقي والرابطي المستقل في تصريح ل«الصباح»، أن الهيئة المديرة للرابطة، باتت بين خيارين: إما الانصياع للحكم القضائي، والاسراع بإنجاز المؤتمر الوطني ومؤتمرات الفروع الواحدة والأربعين، أو عدم التغاضي عن قرار المحكمة وانتظار تبعات أخرى بما سوف يدخل الرابطة في «حالة اللاشرعية».. واستبعد كريم اتجاه الهيئة المديرة نحو الخيار الثاني، لأن الرابطة «متمسكة بالشرعية، وتعمل في إطار القانون، ديدنها الوفاق وليس الصدام» على حد تعبيره.. وأكد ل«الصباح» أن من شأن هذه النهاية القضائية، «وضع حد للمواقف غير المعتدلة، أو تلك التي تحرص على أن تكون في الجهة القصوى من أية تسوية».. ووصف القرار القضائي بكونه «تدشين لمرحلة تاريخية» في حياة الرابطة وتاريخها.. فهل يغلّب الجميع لغة الوفاق ويتجه نحو التسوية السياسية، أم تغيب الحكمة في اللحظة التي يجب أن لا تغيب عنها؟