آسيا العتروس أحفاد المفكر والمصلح الطاهر الحداد على وشك مواجهة ما كان رائد الاصلاح ونصير حقوق المرأة واجهه في ثلاثينات القرن الماضي عندما حرم من الحصول على شهائده العلمية بأمر ملكي بسبب كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع " الذي لم يرق الى الرجعية الفكرية التي اتهمته بالكفر والإلحاد وأصرت على طرده من قاعة الامتحان. واليوم وفيما تتجه تونس بمختلف مكوناتها الاجتماعية للمضي قدما من أجل تحقيق أهداف الثورة الشعبية التي اهتز لوقعها العالم من أجل الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية يعود أعداء الحداد الكاتب والاعلامي والشاعر ولكن في ثوب جديد في محاولة للشد الى الوراء والعمل على قطع الطريق أمام كل الجهود من أجل عودة الامن والاستقرارالى البلاد وتهيئة المناخ المطلوب لتنظيم الانتخابات المرتقبة في الرابع والعشرين من جويلية القادم. ولا شك أن في الاصرارعلى استهداف عدد من المؤسسات التربوية بالحرق والنهب ما يعكس وجود عقلية ظلامية تسعى لترهيب أبنائنا التلاميذ من مختلف المستويات وتهدف بالتالي الى نشرالجهل والتخلف في البلاد، وإلا ماذا يعني استهداف مدرسة ابتدائية وحرمان التلاميذ الاطفال من حق المعرفة والعلم، وما الذي يمكن أن تحفظه ذاكرة الطفولة في خضم هكذا أحداث وفي مثل هذه المرحلة من دروس الثورة وأهدافها في المستقبل. والجواب طبعا مرتبط بمدى إرادة الحكومة الانتقالية على التصدي لهذه المخاطر بمقتضى قوة الارادة وليس ارادة القوة. الحقيقة ان ما تتعرض له عديد المؤسسات التربوية منذ فترة من اعتداءات ومحاولات لوقف الدروس وعرقلة مجرى الامتحانات من قبل مجهولين من شأنه أن يدفع الى إطلاق صرخة فزع واستنفار كل الجهود من أجل حماية المدارس والمعاهد والجامعات حتى تؤدي الرسالة التي أنشئت من أجلها في تكوين جيل قادرعلى رفع راية التحدي وتحمل مسؤولياته مستقبلا في دفع البلاد الى صفوف الدول الراقية التي لا مجال لبلوغها بدون كسب سلاح العلم والمعرفة الذي يظل الرهان الكفيل بإرساء مجتمع يمكن أن يحظى باحترام بقية الشعوب... ساعات قليلة فصلت هذا الاسبوع بين استهداف المدرسة الابتدائية "التقدم 2" في دوار هيشر وبين المدرسة الاعدادية الطاهر الحداد في صفاقس التي شهدت بالامس حرق المكتبة بالاضافة الى قاعة الاساتذة ومكتب المدير بكل ما احتواه من وثائق، تماما كما حدث من قبل عندما استهدف معهد المروج أو غيره أيضا فتختلف الصور والمواقع وتلتقي الاهداف والنوايا. فليس سرا بالمرة أن الخطر لا يتوقف عند حدود ما يسجل خلال كل اعتداء من خسائر مادية اضافية تزيد في اثقال كاهل الدولة المنهك أصلا بسبب تردي الوضع الاقتصادي وتراجع الموسم السياحي وغياب الاستثمارات ولكن أيضا الى احتمال محاولة البعض الوقوف دون اتمام امتحانات آخر السنة... ننظر الى ما قدمه الشعب التونسي من دروس في التضامن بين مختلف الجهات وذلك منذ انطلاق ثورته المجيدة وإلى ما يواصل تقديمه لآلاف اللاجئين المتوافدين على الحدود التونسية هربا من الجحيم الليبي، فلا يمكن الا أن نقف اكبارا واحتراما واعتزازا بالانتماء الى هذا الشعب، ولكن ننظر في أحيان أخرى الى تلك الممارسات الغريبة عن بلادنا فنأمل أن تكون من سبيل الشاذ الذي يحفظ ولا يقاس عليه بما يعني أن تونس التي كانت مهد الثورة المتأججة اليوم في العالم العربي تتحمل مسؤولية أساسية في نجاح ثورتها التي يتوقف عليها بالتأكيد نجاح ربيع العالم العربي...