بحضور عدد من القضاة والمحامين وطلبة الحقوق ألقى العميد السابق بكلية الحقوق والعلوم السياسة حافظ بن صالح مساء أمس في منتدى الحقوقيين محاضرة حول استقلالية القضاء، كما تحدث الأستاذ شوقي الطبيب المحامي وعضو جمعية الرابطة التونسية للمواطنة عن لجنتي مقاومة الفساد وتقصي الحقائق حول الأحداث الأخيرة في علاقتها بالعدالة الانتقالية. واعتبر العميد حافظ بن صالح أن الأمن القانوني لا يتحقق إلا باستقلال القضاء والقضاة.. وفسر شغف الرأي العام بعد الثورة بالقضاء والقضاة مرده فقدانهم الثقة في رجال الساسة. لكن كلمة استقلالية القضاء على حد تعبيره يكتسيها الغموض فهناك من يعتبر أن القضاء كالسلطة يقوم بدور أساسي في الحياة السياسية.. الأمر الذي جعل السلطة السياسية قبل الثورة تستقطب بعض القضاة وتطور عدد القضاة الذين تعاطوا السياسة. وبرز تعاطي القضاة للسياسة بعد الثورة من خلال المشاركة في وقفات احتجاجية لأغراض سياسية.. وهذا يمكن أن يجعل قراراتهم القضائية مستقبلا محاطة بالريبة. وأكد على أنه لا يمكن الحديث عن استقلال القضاء دون الحديث عن حياد القاضي سياسيا.. وقدم العميد بسطة عن مراحل تطور القضاء في تونس وكان العدل قبل الاستعمار وظيفة الباي وتواصل الأمر إلى منتصف القرن التاسع عشر إلى حين إرساء المحاكم المدنية والشرعية واليهودية والقنصلية واندثرت بعد الاستعمار المحاكم القنصلية وعوضتها المحاكم الفرنسية ثم تم بعد الاستقلال توحيد القضاء.
مدى استقلالية القضاء
ولدى تقييمه لوضع القضاة اليوم وهل يمكن القول إنهم مستقلون وما هي مقومات استقلال القضاء؟ أجاب أن الحديث عن استقلال القضاء يفتقر للدقة والتفكير القانوني لأن هناك تعارضا بين استقلالية القضاء والسلطة السياسية وبينها وبين رأس المال. فبالنسبة للسلطة السياسية فإن ما يلاحظ هو أن معنى استقلال القضاء في تونس لم يلق الفهم الصحيح من قبل السلطة التنفيذية لذلك كانت تتدخل في سير القضاء.. فمنذ بدايات تأسيس الدولة كان الزعيم بورقيبة يتدخل شخصيا لنقض أحكام قضائية وقد جاهر بذلك معتبرا نفسه المسؤول عن كل القضايا والقاضي يحكم بتفويض منه. وبين أن القضاء منذ الاستقلال وإلى غاية الثورة تسيس فرئيس الدولة هو رئيس المجلس الأعلى للقضاة كما تسييس القضاة من خلال تعاملهم مع الحزب الحاكم رغم أن قانون الأحزاب يمنعهم من الانتماء إلى أي حزب.. وكثيرا ما كانت السلطة السياسية تتدخل في القضاء ليس للتنكيل بالمعارضين فحسب بل وأيضا في القضايا العادية.. وقال إن القاضي يجب أن يلتزم بالحياد تجاه الشأن السياسي واعتبر تظاهر القضاة وانتماءهم إلى نقابة مخالف للنصوص القانونية وبشأن جمعية القضاة عبر عن خشيته من أن يؤدي تصعيد موقفها ودعوتها للإضراب إلى انقسام القضاة.. وبالإضافة إلى الخيط الذي يفصل القضاة عن السلطة السياسية تحدث العميد عن علاقة القضاء بالمال ورؤوس الأموال.. ويتم تقييم الاستقلال عن المال من خلال معرفة أجر القاضي واعتبر تحسين راتب القاضي يمكن أن يضمن حياده لكن هذا ليس ثابتا لأن القاضي إذا كان فاقدا للأخلاق يمكن أن ينساق وراء الرشوة ولاحظ أن مسألة ارتشاء القضاة مازال مسكوتا عنها إلى حد الآن.. وذكر أن المجلس الأعلى للقضاء لئن كان من الضمانات الأساسية للقضاة لأنه يمثلهم تمثيلا كاملا على اختلاف درجاتهم وأصنافهم، فإن السلطة التنفيذية يمكن أن تتدخل من منفذ الترقيات لأن ترقية القاضي من صنف إلى آخر لا تتم إلا إذا حدث شغور.. كما يمكنها أن تتدخل من منفذ آخر وهو النقل الأمر الذي يجعل القاضي يخاف عند رفضه الانصياع لتعلميات السلطة من نقله تعسفيا وهو ما يتطلب تطوير النصوص القانونية لحماية القضاة.
العدالة الانتقالية
تحدث الأستاذ شوقي الطبيب عن لجنتي مقاومة الفساد والرشوة وتقصي الحقائق حول الأحداث الأخيرة ودورها في العدالة الانتقالية وتساءل هل دخلت تونس بعد إحداث هذه اللجان في مرحلة العدالة الانتقالية.. وأجاب عن هذا السؤال بالنفي.. لأن العدالة الانتقالية تفترض وجود نوع من الوفاق السياسي على منح مثل هذه العدالة الانتقالية الصلاحيات الكافية لتقرر ما ستقرر ولتعمل على كشف الحقيقة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات وتعويض الضحايا والاستماع إليهم وتقديم الاعتذار لهم والانتهاء بالمصالحة.. ولا يمكن أن يتم الوفاق إلا إذا كانت السلطة لها مشروعية وهذا لن يتحقق إلا بعد انتخابات مجلس تأسيسي وتشكل مجتمع مدني للتفاوض باسم الضحايا.. فالعدالة الانتقالية هي مزيج بين عدالة قضائية بالمعنى الدستوري للكلمة والتي توجب معاقبة كبار المجرمين والسراق وبين العدالة الجنائية التي تؤدي إلى مصالحة لأنه لا يمكن محاسبة كل من تلطخت ألسنتهم وأقلامهم وسمعتهم خلال النظام البائد والزج بالجميع في السجن. وأكد الأستاذ الطبيب انه من دعاة العدالة الانتقالية لكن يجب أن يتم تطبيقها وفقا لأسس صحيحة تقوم على التوافق والإعداد المادي والبشري والتشريعي اللازم والصحيح للشروع في هذا المسار.. وعن دور اللجنتين في تحقيق العدالة الانتقالية بين أن الإشكال يكمن في مصداقية هذه اللجان إذ أن المخلوع هو الذي كونها وحكومة محمد الغنوشي هي التي أقرتها في ظروف ضبابية الأمر الذي أثار جدلا على المستوى القانوني والإجرائي..