تعددت في الفترة الأخيرة الشكاوى والقضايا التي رفعها عدد من المحامين ضد رموز الفساد خلال النظام السابق والمنشورة حاليا أمام المحاكم واللافت للنظر في هذه المسألة أنه كان من المفترض أن تقوم النيابة العمومية باثارة التتبع في جملة هذه القضايا باعتبار أن وكيل الجمهورية هو المخول لهذا الدور وذلك طبق ما نص عليه الفصل 26 من مجلة الاجراءات الجزائية والذي ورد فيه أن "وكيل الجمهورية مكلف بمعاينة سائر الجرائم وتلقي ما يعلمه به الموظفون العموميون أو أفراد الناس من الجرائم وقبول شكايات المعتدى عليهم".. وقد أثارت هذه المسألة ردود أفعال متباينة في صفوف المحامين ورجال القانون فبعض المحامين يعتبرون أن هذه العملية تمثل بادرة طيبة فرضها الوضع الراهن الذي يستوجب محاسبة كل رموز الفساد الذين أجرموا في حق البلاد والعباد من خلال جرائم القتل والتعذيب والاختلاس والفساد وفي هذا السياق ذكرت الأستاذة ايمان السويسي أنه من الناحية التطبيقية فان المحامي في علاقة أكثر مع المجتمع وهو أكثر دراية بمشاكله وهمومه وبالتالي فانه عمليا من السهل عليه الالمام بمثل هذه القضايا واثارة التتبع ضد المورطين فيها وفي اطار علاقته بالمواطن فانه من السهل عليه الحصول على مؤيدات ومعلومات تدعم شكواه ويعتبر بذلك مساعدا لمهام النيابة العمومية باعتباره كرس التعاون بين الجهاز القضائي والمحامين فالمهم التعاون والتكامل لكشف رموز الفساد ومحاسبته واعتبرت أن القضاء والمحاماة جناحا العدالة وفي نفس الاطار ذكرت الأستاذة وفاء المهذبي أن اثارة الدعوى العمومية ليست حكرا على النيابة العمومية فمن حق المحامي اثارة الدعوى باعتباره مساعدا للقضاء. في حين يرى شق آخر أنه حفاظا على استقلالية القضاء على النيابة العمومية الاضطلاع بدورها واثارة الدعاوى حتى لا تتداخل المهام وفي هذا الصدد ذكر الأستاذ التومي بن فرحات أن هناك قلبا للأدوار باعتبار أنه في مصر مثلا أثارت النيابة العمومية نسبة كبيرة من الدعاوى ضد رموز الفساد بالنظام المصري السابق ولكن في تونس فان المحامين والمواطنين هم من يسعون لاثارة هذه الدعاوى مما أدى الى تداخل في الأدوار واعتبر أن اثارة الدعوى من قبل المحامين لا تمس من استقلالية القضاء. وفي ذات السياق ذكر الأستاذ صابر القاسمي أنه لتأخذ العد الة مجراها يجب أن يضطلع كل بدوره لتجنب التداخل بين الاختصاصات فدورالمحامي لايجب أن يتعدى كونه مرشدا ومساعدا للنيابة العمومية لذلك لكي تكون العدالة متوازنة يجب أن يتمسك كل بدوره فلا يمكن للمحامي مثلا أن يضطلع بدور النيابة العمومية واعتبر أن تونس تعيش فترة استثنائية تستوجب بدورها اجراءات استثنائية فالأمر لا يتعلق بتقصير من وكلاء الجمهورية في القيام بمهامهم بقدر ما يبرز ثقل هذه المهام في هذه الفترة الحساسة التي تمر بها البلاد باعتبارهم أمام زخم هائل من الشكاوى والدعاوى والقضايا التي لاحصر لها ورأى أنه من الأجدر في هذه المرحلة تكوين لجنة خاصة للمحاسبة تضم قضاة ومختصين في هذا المجال وهم أقدر من المحامين على التكفل باثارة الدعاوى والتكفل بالبحث والتقصي في المورطين في قضايا الفساد والتعذيب والقتل خلال فترة النظام السابق وأضاف أن تدخل المحامي يجب أن يكون استثنائيا وظرفيا نظرا فقط لحساسية هذه الفترة.