التمديد في المرحلة الانتقالية ثلاثة أشهر يقتضي الإسراع في انتخاب المجلس الأعلى للقضاء.. هذا ما أفاد به القاضي مختار اليحياوي أمس في منتدى الثورة المنتظم بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات.. وبين أن تونس تحتاج اليوم إلى بعث محكمة دستورية تحمي الدستور وتراقب القوانين وتحمي المواطنين من القوانين التي يمكن أن تنتهك حقوقهم، وبالإضافة إلى ذلك فهو يرى ضرورة توسعة اختصاصات دائرة المحاسبات وجعلها تحت إشراف البرلمان.. وقال اليحياوي أمام عدد من الجامعيين والمؤرخين:" لمواصلة إدارة القضاء فإن المطلب المطروح اليوم من قبل القضاة خاصة بعد أن تقرر التمديد في المرحلة الانتقالية يتمثل في الإسراع بانتخاب مجلس أعلى للقضاء بكيفية ديمقراطية وشفافة حتى يعمل على هيكلة القضاء ويمسك بأغلب اختصاصات وزارة العدل.. كما يستدعي الوضع إلغاء القوانين التي تسمح لوزير العدل أن يقوم مقام وكيل الجمهورية.. وتأسيس قضاء يكون له قلم إدعاء في مستوى عال من الكفاءة.. وبين أنه مثلما تم إصدار مراسيم في مجالات مختلفة يتعين تكوين لجنة لعرض مرسوم يتعلق بسير السلطة القضائية في المرحلة الانتقالية تدار من طرف مجلس أعلى للقضاء يكون منتخبا. وذكر اليحياوي أن القضاة أبرياء من عدم تتبع الفاسدين وفسّر أن التتبع لا يتم إلا بعد استشارة وزير العدل. ولاحظ أن الوضع الحالي في إدارة القضاء "يكرّس حالة انتقائية من عدم المحاسبة ويغذي مثل هذا الأمر الشّكوك في نزاهة المشرفين الحاليين على العدالة".. وأثار القاضي مسألة أخرى تتّصل بالقضاء العسكري وبين أنّه بعد الثورة "أصبح كما لو أنه هو القضاء العادي في حين أنه قضاء استثنائي ويعرف الجميع أنه لا يوفر الظروف اللازمة للمحاكمة العادلة.. وبالتالي فإن إحالة بن علي على القضاء العسكري تعني ضمنيا الرغبة في عدم تسليمه إلى تونس".. وأوضح قائلا: " إذا أنت أحلت بن علي على القضاء العسكري.. يعني انك لا تريدهم أن يسلموه لك.. لذلك أرى أنه لا بعد من إلغاء المحاكم الاستثنائية.. كما ألاحظ أن المحكمة العسكرية بدأت تتغول.. ولا نعرف ماذا يحدث فيها.. فهي غير مراقبة ولا بد من الانتباه إلى هذه المسألة الخطيرة" على حد قوله. مشاكل القضاء وكان اليحياوي قد أكد في مطلع شهادته التاريخية أن "القضاء هو مؤسسة مزدوجة المفهوم.. فهو مرفق عمومي ولكنه أيضا مؤسسة دستورية وهو جزء من السلطة.. ولعل الصراع الذي تم في بداية بناء الدولة الوطنية كان على أساس أنه لا يمكن تأسيس دولة جمهورية دون الاعتراف بالسلطة القضائية التي يجب أن توفّر تلك الخدمة العمومية والسهر على تطبيق القانون والحد من التجاوزات التي ترتكبها السلطة التنفيذية إذ لا يمكن تأسيس البلاد دون مراقبة القوانين حتى لا تصادر هذه الأخيرة الحريات.. كما لا يمكن تأسيس سلطة تحترم القانون دون توفير آلية لمحاسبتها.. وبالتالي كان لا بد للمؤسسات التي تقوم بهذا الدور أن تتوفر لها آليات المحاسبة لأن العدالة تحتاج إلى مؤسسة تنفّذ سياستها الجزائية والقضائية.. أي أن القضاء حينما يكون في موقع ضعف يمكن للسلطة التنفيذية أن تتغول على السلطة التشريعية وتكون النتيجة نظام استبدادي". وأشار إلى أنه "على الرغم من وجود كل مواصفات الدولة الديمقراطية في تونس لكنها كانت كلها للأسف الشديد أجهزة تخدم مصلحة طرف واحد.. وكان من الطبيعي أن يقود الاستبداد إلى الفساد.. وقد تفطن الشعب بعد الثورة إلى أن تونس كانت تحكمها عصابة وإلى أن الظلم فيها كان ممنهجا". وبين أن الفرصة التي جاءت بها الثورة هي ثمينة جدا يجب انتهازها لبناء نظام جديد من خلال انتخاب مجلس تأسيسي وإعادة صياغة دستور للبلاد يركّز على بناء المؤسسات وعلى بناء دولة القانون التي تعني أن الحاكم محكوم بالقانون ولا يمكنه أن يتجاوز سلطته: لأن القانون يوفّر الآليات اللازمة التي تمنعه من تجاوز سلطته. ولاحظ أن الوضع الذي سيكون عليه القضاء هو الذي سيحدد هل أن الانتقال إلى دولة القانون والدولة العصرية سيتم فعلا أم لا؟ وضع القضاء قدم اليحياوي صورة حالكة لتاريخ القضاء في تونس ومفادها أنه "كان يحسم في الصراعات السياسية بالسجن والانتهاكات والمحاكمات الجائرة والقمع.. وبالإضافة إلى ذلك كان القضاة مطالبين بالنظر في كمّ كبير من القضايا وهو أمر يتجاوز طاقتهم.. ويحدث ألا يجدوا الوقت الكافي للنظر في الملفات والإطلاع على كافة تفاصيلها.. وإضافة إلى ذلك فإنهم يعيشون يوميا مضايقات من وزارة العدل التي تطلب منهم وتكرر دون هوادة النظر في قضية فلان وحل مشكلة علان غير آبهة بضرورة احترام إجراءات التقاضي.. وإذا لم ينسجموا مع الإدارة يصبح غير مرغوب فيهم.. وهو ما يفسر أن الشغل الشاغل للقضاء كان حماية النظام.. ومازال القضاء إلى حد الآن مختلا نظرا للعدد الكبير من الملفات التي يتعين على القاضي النظر فيها.. الأمر الذي يدعو إلى التساؤل لماذا يرضى التونسيون بمرفق قضائي رديء الخدمات لا يقدم ضمانات كافية لمحاكمات عادلة؟ وينبغي ألا يغيب عن الأذهان أن التجاوزات التي تمت في القضاء لم تتعلق بالقضايا السياسية فحسب بل انسحبت على المواطنين البسطاء. ويتطلب الأمر بعد الثورة إعادة البناء على قاعدة سليمة أساسها استقلالية القضاء.. كما يتعين إرساء آلية العدالة الانتقالية.. لكن لا يمكن التفكير في عدالة انتقالية قبل محاسبة الجلادين والقتلة".. وأكد اليحياوي أنه لا يفكر في العودة إلى القضاء رغم إلغاء القرار المتعلق بعزله وبين أنه اختار الانخراط في الشأن العام وأكد أنه مستقل ولا ينتمي إلى أي حزب.. وإجابة عن سؤال يتعلّق بموقفه من الهيئة المستقلّة للانتخابات، بين أن "انتخاباتها أعطت نفس النتيجة وهي أن جميع أعضائها يمثلون لونا واحدا.. كما أن رئيسها الأستاذ كمال الجندوبي لا يعرف تونس عن كثب لأنه عاش طويلا خارجها.. وهو رئيس منظمة أجنبية لم يستقل منها ثم أن نائبه الأول من التيار القومي ونائبته الثانية من حركة التجديد فمكتب هذه الهيئة المستقلة هو في منتهى التسييس.. ونتج عن انتخاب هذه الهيئة الضعيفة تأخير الانتخابات".. وعن سؤال آخر يتعلق بالخلاف بينه وبين الأستاذ عياض بن عاشور أجاب:" لقد فوجئت بموقف الأستاذ عياض بن عاشور من هذه الهيئة المستقلة للانتخابات.. وفوجئت به يتحدث باسم الهيئة ويقول إنها قررت كذا.. وقررت كذا في حين أنها لم تقرر.. لقد قال إن الهيئة قررت أنه لا مجال لمراقبة أجنبية للانتخابات واعتبر أن القضية قضية سيادة في حين أن الهيئة لم تقرر ما قاله.. فالأستاذ عياض بن عاشور تجاوزنا نحن الأعضاء في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وهذا التجاوز غير مقبول الآن". سعيدة بوهلال