تحاول اللجان الوطنية للإصلاح والتحقيق التي تشكلت منذ ثورة 14جانفي مساعدة الحكومة المؤقتة والقضاء في فهم عدد من الملفات السياسية وفي التحقيق في ملفات مالية وأمنية بالجملة .. وكل هذا ايجابي .. وقد تشكلت بعد ذلك لجان وطنية تكميلية من بينها الهيئة الوطنية المستقلة لاصلاح الاعلام والهيئة العليا المستقلة للانتخابات .. ضمن محاولات بدء تفكيك الغاز بعض الملفات المعقدة والسخنة جدا من ابرزها ملفات الاعلام والاتصال والتحضيرلإنجاز اول انتخابات تعددية من المنتظر ان يشارك فيها 7 ملايين ونصف من التونسيين والتونسيات .. وهذا ايجابي أيضا .. لكن مسلسل الاضطرابات الاجتماعية والامنية والسياسية وتعاقب مؤشرات الإنكماش الاقتصادي الخطير من بين العوامل التي تطرح في نظر البعض ضرورة تجسيم مقترح نادى به كثير من الساسة الوطنيين منذ الأيام الأولى للثورة أي تأسيس " هيئة عليا للمصارحة والمصالحة" أو" هيئة عليا للإنصاف والمصالحة" تكون من أولوياتها إنصاف عشرات الآلاف ممن تعرضوا للتعذيب والاضطهاد أو للتحيل واستغلال النفوذ والى " الاعيب " المختصين في الرشوة والفساد المالي والاداري .. لكن هذه الهيئة مسؤولة أيضا عن تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة على غرار ما جرى في جنوب افريقيا في عهد الزعيم مانديلا وفي اندونيسا واسبانيا و اوربا الشرقية والشيلي وعدد من دول امريكا اللاتينية .. لقد اضطر الغالبية الساحقة من رجال الاعمال و المثقفين والسياسيين والنقابيين والحقوقيين الى التعامل مع رموز النظام والدولة في العهد السابق وليس واردا اليوم احالة مئات الآلاف منهم على البطالة والمحاكم او تسليط اجراءات عقاب جماعية عليهم او على اكثر من 90 بالمائة من رجال الامن نفذوا تعليمات رؤسائهم .. وحسب تجارب دول شقيقة وصديقة في مجالي الإنصاف والمصالحة فان الكلمة الاخيرة تكون دوما للقضاة الذين يحترمون شروط المحاكمات العادلة والتحقيق النزيه بعيدا عن منطق الثأر وتصفية الحسابات .. لقد صدرت دعوات للإنصاف والمصالحة مبكرا عن ساسة كانوا يوصفون ب" الراديكالية" قبل الثورة بينهم رئيس رابطة حقوق الانسان الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي وزعامات الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل الديمقراطي والتجديد ..وصدرت دعوات مماثلة عن منظمات رجال الاعمال وهيئات حزبية وحقوقية وشخصيات مستقلة عديدة .. فعسى أن تبادر حكومة السيد الباجي قائد السبسي بتشكيل مثل هذه الهيئة العليا المستقلة الوطنية في اقرب وقت .. خدمة لمصلحة تونس حاضرا ومستقبلا..