بقلم: وائل بنجدو لماذا عينتم وزيرا للداخلية عمل مع "بن علي"؟ لماذا ترهنون البلاد في الديون؟ (بالرغم من كونكم تترأسون حكومة مؤقتة؟) لماذا عينتم رئيس المكتب التونسي في تل أبيب في وزارة الشؤون الخارجية؟ لماذا لم يحاسب رموز النظام السابق؟ من المؤكد أن هذه الأسئلة التي طرحت على رئيس حكومة بلاد من المفترض أنها شهدت "ثورة" هي إحدى تجليات الثورة المضادة. ومن البديهي أن توجد الثورة المضادة نتيجة المسار الثوري الذي تعيشه تونس. لكن ما يثير الدهشة والغضب هو جواب قائد ثورتنا "الباجي قائد السبسي" على هذه التساؤلات قائلا باللهجة الدارجة "أنا نحكم وحدي وما يدبر علي حد". مثل هذا الجواب يؤكد أن الثورة المضادة ابتلعت الثورة وهي تعاقب الثوار على مطالبتهم بالحرية. فبعد ما كنا نتابع في نشرات الأخبار تقدم الثورة وانتكاساتها أصبحنا لا نسمع إلا حديثا عن انتصارات "الثورة المضادة" التي تسابق نفسها. لعل الرئيس المخلوع نفسه لم يتجرأ على التفوه بهذا الكلام. يبدو أن الغباء من سمات الأنظمة السلطوية: أولا لأن قادته لديهم تصور أبدي للسلطة ويعتقدون أنهم باقون إلى ما لا نهاية وثانيا لأنهم لا يتعظون من تجارب التاريخ فكم من طاغية كنسه شعبه. لكن ما يثير الاستغراب هو ألا يتعلم المرء الدرس بالرغم من مرور أقل من سبعة أشهر على طرد "بن علي" ورفيق دربه "محمد الغنوشي" فكأن السيد الباجي قائد السبسي لم يتابع (بالتأكيد لا نتحدث عن المشاركة) إصرار الثوار على كنس كل من يقف عقبة أمام إتمام مهام الثورة، أو ربما لم يتمكن من سماع الشعارات المرفوعة أثناء الانتفاضة نتيجة تقدمه في السن. إن محاولة التأكيد المتكررة من رموز نظام "بن علي" على أن الثورة ثورة شباب هي حق يراد به باطل لأنهم مدركون جيدا أن الشباب دون مستوى التنظيم الكافي لاستلام السلطة وإدارة شؤون البلاد، بمعنى أنهم يرمون الكرة في ملعب الشباب الذين لا خوف منهم على السلطة. ولعل من الأمور المهمة التي تغافل عنها الشباب هي أنهم لم ينظموا أنفسهم أو يفرزوا قيادات متحدثة بأسمائهم منذ اعتصام القصبة 2 حتى لا يسهل مجددا تشويههم كما حصل في محاولة القصبة 3 حين وصفهم الباجي قائد السبسي "بالشرذمة الضالة" مذكرا إيانا بتوصيفات "بن علي" السطحية حين يهاجم خصومه. كلما أطل علينا رئيس الحكومة بمزحاته الثقيلة إلا وقرب أجل حكومته، فمنذ خطاب رئيس الجمهورية المؤقت (لعلكم تتذكرون اسمه أكثر مني) والذي أعلن فيه عن حل البرلمان ومجلس المستشارين والتوجه نحو انتخابات المجلس التأسيس تحت ضغط اعتصام القصبة 2 لم تقدم الحكومة الظاهرة شيئا للثورة بل كانت الخادم المطيع بيد الثورة المضادة وحكومة الظل وحلفائها من القوى الرجعية العربية والدولية. بينما كان الرئيس المصري المخلوع "حسني مبارك" يدخل قفص الاتهام في إحدى أهم المحاكمات في التاريخ المعاصر، كان رموز الفساد ووزراء الرئيس الهارب يغادرون السجن والبلاد بكل سلام. وكانت آخر المهازل تبرئة "علي السرياطي" في قضية المطار. وبكل وقاحة يخرج علينا الناطقون الرسميون باسم الحكومة من الوجوه الإعلامية المملة والمعارضة التي أصبحت مفضوحة للرأي العام منذ 13 جانفي ويتحدثون عن المصالحة ويضربون لنا مثال جنوب أفريقيا متناسين أن المصالحة التي قام بها نيلسون مانديلا كانت بعد استيلاء الثوار على الحكم. بمعنى أن المصالحة يجب أن تتم على قاعدة "العفو عند المقدرة" وليس قبلها. وكما يقول أبو يعرب المرزوقي: "ما علمت في التاريخ مصالحة يجريها بقايا النظام وحلفاؤه الذين وقعت عليهم الثورة إلا إذا كان المقصود بالمصالحة عكسها أعني أن الثوار يصبحون كالمتسولين للعفو من أعداء الثورة لئلا يعاقبوهم على ما اقترفوه عند الثورة عليهم". كل حديث عن المصالحة قبل انتصار الثورة هو تشجيع للمجرمين في حق الشعب على مواصلة الإجرام. كان سقف توقعات الناس بعد 14 جانفي مرتفعا في حين كانت منجزات حكومة الباجي قائد السبسي معدومة على أرض الواقع وهو ما سيدفعهم للمطالبة بإسقاطها. كلما اتسعت المسافة بين خط الآمال والتوقعات وخط المكتسبات الملموسة إلا واقترب موعد اللجوء الآلي للاحتجاج في الشوارع. من هنا يصبح تشكيل جبهة تضم القوى الثورية والديمقراطية والشباب للإعداد والاستعداد لهذه اللحظة ضرورة ملحة حتى لا تصاب بالحيرة والارتباك التي عاشتهما إبان هروب المخلوع نتيجة عدم مطابقة الثورة التونسية لما قرؤوه في الكتب. ليس صمت الشعب خوفا أو لا مبالاة بل هو قراءة للواقع واستجماع لعناصر الحركة وليتذكر "الباجي قائد السبسي" الجاهل بالتاريخ أن "الشعب هو إلي يحكم وحدو وما يدبر عليه حد".