بقلم: محسن الكعبي أعتقد أنه ليس هناك في القاموس الإسلامي مصطلح خطأ لا يغتفر، فكل الأخطاء تغتفر.. والخطأ الوحيد الذي لا يغتفر إلا بالرجوع عنه وعدم الإصرار عليه هو الشرك بالله، وما دون ذلك يغفره الله لمن يشاء (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) النساء 116. حينئذ قول كل البشر خطاء،هي حقيقة ثابتة حول مفهوم الخطأ في التصور الإسلامي، وهي أن كل بن آدم خطاء وأن خير الخطائين التوابون..وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإنسان (بني آدم) بالخطاء وليس المخطئ، وهي صيغة مبالغة تدل على تكرار الخطأ، فليس على وجه الأرض بشر معصوم من الخطأ، ولكننا جميعا نخطيء ونصيب، وأن خير البشر من يعترف بخطئه ويقر به، ويصبح لزاما عليه أن يرد المظالم إلى أهلها، أو يستسمحهم ويسترضيهم ويعتذر عنها ويعمل على إصلاحها ما أمكن إلى ذلك سبيلا.. فمن علمنا يا ترى أن الاعتذار ضعف وإهانة ومنقصة؟ ومن علمنا أن نقتل بداخلنا هذه الصفة النبيلة؟و من علمنا أن في الاعتذار جرح للكرامة والكبرياء؟.. على مر عقود طويلة، كان النظام السياسي في بلادنا مستبدا، يمارس أنواعا شتى من الظلم والفساد والإقصاء والتهميش، وكم من أخطاء كثيرة ارتكبها في حق شعبنا ومؤسساته وعلى رأسها مؤسستنا العسكرية العتيدة، التي اخترقها في بداية التسعينات، ولفق لخيرة من أبنائها تهما باطلة، بدعوى الانتماء إلى حركة النهضة الإسلامية والانقلاب على نظام الحكم القائم آنذاك،تعرضت من خلالها إلى أبشع أنواع التنكيل والتعذيب والمحاكمات العشوائية ومجالس التأديب الصورية، بعدما اختطفها من مراكز عملها، وغيبها عن أنظار عوائلها وأهلها وزملائها في السلاح، ليبعث الرعب في القلوب وينشر الخوف والفرقة في صفوف الجيش ليشكك في ولائه وبالتالي إفراغه من محتواه، وتقزيمه لحساب قوى التآمر والخيانة.. وكم من لحظات غالية من أعمارنا ضاعت بعد أن سرقها جهل حكامنا وفسادهم وكل من والاهم من القادة العسكريين والأمنيين، المتآمرين، المتملقين،الانتهازيين، الذين باعوا دينهم بدنياهم،و تخلوا عن مسؤولياتهم في لحظات كان من المفروض أن يضربوا فيها موعدا مع التاريخ، ويسجلوا فيها مواقف بطولية مشرفة،تجنبهم مزابل التاريخ التي أبوا إلا أن يدخلوها صاغرين.. ؟و ما تنفع الخيل الكرام ولا القنا إذا لم يكن فوق الكرام كرام ( المتنبي). أجيال نشأت في ظل خمول وجهل وظلام يحياه وطننا، بعضهم رضي بهذا الحال كونه مجبرا والبعض الآخر اعترض عليه. لكن القمع والقبضة الأمنية الغاشمة كانتا هما الرد الذي يرد به ذلك النظام دائما فقد عمل حكام بلادنا على تسخير كل طاقات الأجهزة الأمنية على خدمة عروشهم وأنظمتهم، لقد سرقوا أحلام أجيال بأكملها دون أدنى حساب أو محاسبة. اليوم، وبعد أن قامت الثورة المباركة، لتعيد للشعب كرامته وللوطن عزته، استطعنا أن نتأكد بأن الروح الثورية التي كانت تملؤنا في عهود الاستعمار السابق مازالت فينا وفي أجيالنا مهما حاولت الأنظمة المستبدة وأزلامها أن تمحو تلك الروح العفية من داخلنا وتزرع بدل منها روح اليأس والانكسار والقبول بالأمر الواقع دون الرغبة في تغييره أو حتى مجرد التفكير في تغييره.. اليوم، وبعدما رأينا المخلوع يلوذ بالفرار، وأغلب وزرائه ومستشاريه موقوفون بالسجن العسكري بالعوينة على ذمة التحقيق، في انتظار المحاكمات الثورية العادلة،و آخرون مازالوا متخفين ينعمون بالتقاعد المريح،و أيديهم على قلوبهم مخافة أن تنفتح ملفاتهم وتنكشف جرائمهم..ولكن ولنعلنها لهم صراحة، أننا لن نتركهم يفلتون من العدالة، وسنقتص منهم إن آجلا أو عاجلا، لأن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم... لقد بات من الممكن أن نقول وبكل تأكيد أن الثورة استطاعت أن تثبت أن هؤلاء لم يكونوا يوما يعملون لصالح الشعب والوطن وأن فرار المخلوع هو خير دليل على مدى ظلمه وفساده في حق ذلك الشعب الثائر عليه وعلى زبانيته. لكن يبقى دائما سؤال يخامر ذهني: هل يمكن أن يعتذر أي مسؤول منهم عن الخطأ الذي ارتكبه والجرائم التي اقترفها بحق شعبنا ومؤسسته العسكرية العتيدة؟ إلى متى سيظلون صامتين ؟ أم أنهم فقدوا فضيلة الاعتذار مع ما فقدوه من فضائل أخرى كالصدق والأمانة والنخوة والشجاعة والرجولة وغيرها كثير...؟ أم لأنهم جاهلون بآداب الاعتذار...؟ لكن حتى وإن استيقظت ضمائرهم متأخرة واعتذروا، فهل سنقبل اعتذارهم؟ ضابط مهندس، أستاذ بالأكاديمية العسكرية سابقا