قدمت حركة النهضة أمس خلال مؤتمر انتظم بقصر المؤتمرات بالعاصمة برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي تحت شعار "تونس كما نراها" للنهوض بواقع البلاد في جميع مستوياته وهو برنامج (من أجل تونس الحرية والعدالة والتنمية) أعده قسم الدراسات والتخطيط بمشاركة 182 خبيرا وجامعيا عملوا طيلة 150 يوما ليستنبطوا 365 نقطة بعد تشخيص لواقع تونس بعد الثورة " كما جاء في الكلمة الافتتاحية للأستاذ حمادي الجبالي أمين عام الحركة. وقد أعدت، كعادتها، حركة النهضة تنظيما جماهيريا محكما لعقد مؤتمرها، فكان تنظيما لوجيستيا وتقنيا سجل حضور الإعلام الوطني والأجنبي وسط إجراءات يخالها الحاضر بأنها "إجراءات أمنية" ذلك أن المنظمين قُسموا إلى صفوف "يسارية" و"يمينية" و"أمامية" و"خلفية"، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، هناك مسافات وأوقات محددة لالتقاط الصور وغيرها من التفاصيل قد تدخل في إطار ما أسماه بعض "المناوشين" في دردشاتهم الجانبية "بريستيج الحركة".
نظام جمهوري
وقد قدّم الأستاذ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة المبادئ العامة لبرنامج الحركة المتمثلة في أنّ "تونس دولة حرة مستقلة دينها الإسلام والعربية لغتها والجمهورية نظامها، باعتبارها خير كفيل للديمقراطية واستخدام ثروة البلاد لفائدة الشعب وتوفير مرافق الحياة الكريمة" وأضاف الغنوشي أن "النظام الجمهوري كفيل بأن يقطع مع الفساد ويرسي أسس المواطنة والحكم الرشيد وأن يعتبر الدولة كيانا سياسيا مدنيا تُحترم فيه الحريات ويضمن التوازن الاجتماعي ويضبط حركة السوق" كما أكد الغنوشي خلال مداخلته أن "حركة النهضة تدعو إلى بناء عقد اجتماعي جديد وقيام مجتمع مدني منظم ومستقل عن الدولة" إلى جانب "تثمين دور الشباب وحماية مكاسب المرأة وحفظ كيان الأسرة ورعاية الطفولة".. وقُسم برنامج الحركة إلى ثلاثة أبواب كبرى وهي المبادئ العامة التي بينها الأستاذ حمادي الجبالي والباب السياسي قدمه الأستاذ نورالدين البحيري الناطق الرسمي تحت عنوان "حرية وديمقراطية والسلطة للشعب" أما الباب الثالث فشمل الجانب الاقتصادي والاجتماعي تحت تسمية "عدالة وتنمية ورفاه" قدمه الأستاذ رضا السعيدي رئيس قسم الدراسات والتخطيط. وقد بُوّب الجانب السياسي إلى 12 قسما شملت 70 نقطة ومن أهم الأقسام التي ركز عليها الأستاذ نورالدين البحيري خلال مداخلته النظام السياسي.. أهمية المرحلة الانتقالية التي يجب أن تقوم على توافق وطني وحكومة ائتلافية والتركيز على الأولويات، فأكد البحيري أن الحركة "ضدّ كل أساليب الهيمنة والانفراد بالقرار ولا يجسد ذلك إلا عن طريق حكومة وحدة وطنية قائمة على أرضية التوافق بالاعتماد على نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي مع مراعاة الكفاءة وسيادة العقلية التوافقية التي تجعل مصلحة البلاد فوق كل اعتبار مع معالجة آثار مظالم العهد السابق وتفعيل العفو التشريعي".
لا للتمرد على قرارات الهيئات
وفي مداخلته شدد الأستاذ البحيري على أن النهضة مع قرار منع الإشهار السياسي الذي أقرته الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات مؤكدا أن "عدم احترام القرارات الصادرة عن الهيئات يُعدّ تمردا على التوافق الوطني" موجها اتهامه إلى "الأطراف المعارضة لهذا القرار التي تسعى إلى أن تكون فوق القانون فتونس فوق الكلّ ولا وصاية على الشعب التونسي" مضيفا أنّ "التمرد على قرارات الهيئات قد يطرح عدة اشكاليات تصل إلى المس بالهيبة واحترام التوافق الوطني وهو ما قد يؤكد الخطر الذي قد يمس حاضر تونس". ومن ضمن النقاط التي تطرق اليها البحيري نظام تونس السياسي والذي ارتأت الحركة أن يكون "نظاما برلمانيا يعيد السلطة للشعب ليمارسها مباشرة عبر ممثليه في المجلس المنتخب ضمن نظام برلماني يتكون من غرفة واحدة ويمارس المهام التشريعية والرقابية ويضمن الحريات العامة والفردية والفصل بين السلط والتداول السلمي على السلطة إلى جانب حكومة تقوم على السلطة التنفيذية ومسؤولة أمام البرلمان الذي ينتخب رئيس الجمهورية". كما أكد البحيري على استقلالية القضاء بما أن العدل أساس العمران وإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية بما في ذلك وزارة الداخلية بما يخدم أمن الوطن والمواطن، فقال البحيري "الأمن وان تورط البعض من أعوانه في تجاوزات أو في جرائم فلأن الاستقرار يحتم عدم حشر الجميع في قفة واحدة وأن يقع التعامل مع الأمن على أساس الدور الموكول إليه في الوقت الراهن وفي المستقبل وبالتالي يجب أن تكون المحاسبة ضمن أحكام القانون والقضاء". وشدد في الباب السياسي أيضا على تدعيم المؤسسة العسكرية بالإمكانيات المادية والبشرية المطلوبة وعلى أهمية الارتقاء بالمستوى المهني بالإضافة إلى ضمان استقلالية دائرة المحاسبات وشفافيتها وتركيز هيئات وطنية مستقلة كهيئة الإعلام وهيئة الانتخابات إلى جانب الحق النقابي وإصلاح الإدارة وتطويرها وتدعيم العلاقات الخارجية بتعميق علاقات التعاون والشراكة المتوازنة مع الدول الشقيقة والصديقة.
"تدارك وانتعاش وتألق"
وضعت حركة النهضة وكما جاء على لسان الأستاذ رضا السعيدي برنامجها الاقتصادي والاجتماعي على خلفية التحديات الكبرى بما في ذلك عجز المنوال الاقتصادي السابق وغياب الحوكمة الرشيدة والاختلال بين الجهات وغياب الثقة في الداخل والخارج إلى جانب الركود المنتظر للاقتصاد العالمي، فاعتمدت حركة النهضة بالتالي على منوال تنمية يمتد من سنة 2012 إلى سنة 2016 سيمكن على حد قول السعيدي من استرجاع الاقتصاد الوطني تدريجيا لنسق نمو يمكن من التخفيض في نسبة البطالة بالإضافة إلى تحكم في نسبة التضخم المالي. وأضاف السعيدي أن الهدف الرئيسي من منوال التنمية إحداث حوالي 590 ألف موطن شغل وبالتالي تخفيض نسبة البطالة إلى حدود 8,5 % سنة 2016، كما أشار السعيدي أن منوال التنمية سيمكن من الوصول إلى نسبة نمو ب8% أي بمعدل نمو سنوي ب7% خلال كامل الفترة والترفيع في الدخل الفردي إلى حوالي 10000 دينار سنة 2016 مقابل 6300 دينار منتظرة سنة 2011. كما بين رئيس قسم الدراسات أن عناصر المنوال تقوم على التوسيع والتنويع والتكامل بما في ذلك "تفعيل المضامين القيمية للمنوال التنموي باحياء القيم الفاضلة التي تستند إلى المخزون الثقافي والحضاري للمجتمع التونسي وهويته العربية والإسلامية مثل الصدق والنزاهة والجدية وروح الإيثار ونظافة اليد". أما من ضمن أهدافه الرئيسية تحقيق العدالة الاجتماعية بمكافحة الفقر والرفع من المستوى المعيشي بالإضافة إلى العمل على تحقيق الأمن الغذائي للبلاد من خلال سياسة فلاحية مشجعة للإنتاج في المواد الاستراتيجية والمحافظة على التوازنات المالية الداخلية منها والخارجية وترشيد الإنفاق العمومي وتنويع التمويل وتوجيهه نحو مصادر غير مُحدثة للمديونية. ويذكر أن حركة النهضة وجهت الدعوة إلى العديد من ممثلي السفارات والبعثات الديبلوماسية وممثلي الأحزاب والمنظمات الوطنية والجمعيات المختصة ورجال الأعمال وخبراء وجامعيين ومناضلي الحركة والمرشحين، كما وجهت الدعوة إلى السيد مفتاح عبد الحميد عضو مؤسس لثورة 17 فيفري بمصراتة الذي اعتبر "البوعزيزي قائد الثورات العربية" متوجها بعبارات الشكر والثناء لما لقيه الشعب الليبي من تونس شعبا وحكومة.