من حق التونسي أن يعرف لماذا ينتخب ومن حق التونسي أن يفهم الابعاد والاهداف الوطنية التي تحتم عليه عدم التخلف عن الموعد المرتقب والتوجه الى صناديق الاقتراع والتمسك بممارسة حقه في اختيار ممثليه في المجلس التأسيسي الذي سيتعين عليه وضع دستور جديد للبلاد استعدادا للخروج من مرحلة اللاشرعية الى مرحلة الشرعية. بعد موسم الترشحات واعلان القائمات المشاركة في هذه الانتخابات جاء موسم الحملة الانتخابية التي من شأنها أن تدفع التونسي الى مزيد الحيرة بين أحزاب وقائمات لديها من الاموال والامكانيات ما يكفي للوصول الى أي نقطة في البلاد وبين أخرى لا تقوى على ذلك. وقد لا يكون من المبالغة في شيء الاقرار بأن أكثر ما يخشاه الناخب التونسي اليوم أن يكون الفوز في هذه الانتخابات لاكثر الاحزاب مالا وقدرة على الانفاق. ومهما سيقال عن الحملات الدعائية أو التمويلات التي رصدتها الدولة من أجل الحملة الانتخابية فسيكون من الخطإ الاقرار بأن الحملة كانت متكافئة على الاقل في جانبها الاشهاري الذي لم يتوقف يوما بالنسبة لبعض الاحزاب على عكس أحزاب أخرى وقائمات انتخابية ظلت تنتظر تدخل الحكومة لتدخل غمار السباق ,على أن الحقيقة أنه ما يمكن أن يزيل بعض تلك المخاوف ويقلل حجم الشكوك التي من شأنها أن ترافق الحملة الانتخابية هو هذا الناخب نفسه صاحب القرار في تحديد الخيار لمنح صوته لمن يستحق وليس لمن يملك المال ويتباهى باستعراض ما لديه من أرصدة وامكانيات عملاقة. واذا كانت القائمات والاحزاب المتنافسة على الفوز في الانتخابات القادمة تنسى في لحظات السباق المستعر حساسية التونسي ورفضه لكل مظاهر الفساد أيا كان نوعه فان التونسي لا يمكن أن ينسى أن تفاقم الفساد يبقى السبب الاساسي الذي أغرق البلاد وعصف بالاقتصاد وأطلق الايدي للعبث بثروات الشعب. والاكيد أن التونسي وبعد أن أدرك حجم الفساد المالي والطمع والجشع في نفوس تلك الفئة التي أدارت البلاد وحولتها الى مزرعة خاصة لن يسمح للمهزلة أن تتكرر,كما أن هذا المواطن الذي وقف حتى الان و منذ ثورة الرابع عشر بالمرصاد لكل الانتهازيين الذين حاولوا الركوب على الثورة سيقف بالمرصاد أمام كل المحاولات لاستبلاه الناخب أو اشتراء الذمم , ولاشك أنه كلما ارتفعت نسبة المقبلين على صناديق الاقتراع كلما كان ذلك مؤشرا على أن المواطن التونسي لم يعد يقبل بدور المتفرج السلبي المتقبل للمشهد السياسي وأنه بات يحرص أن يكون له دور فاعل يبدأ من التمسك بحقه الانتخابي ومشاركته في الحياة السياسية ليقول كلمته وبفرض خياره متى استوجب الامر ذلك... بالامس القريب وقبل ثورة الرابع عشر من جانفي كانت الانتخابات تعني في القاموس السياسي التونسي مزيدا من الاستغلال والنهب والسلب للمواطن العادي مقابل مزيد الظلم والابتزازا لرموز السلطة الغارقة في الفساد وفي ذلك ما يكفي من الاسباب لدفع الناخب للعزوف عن عملية انتخابية كانت نتائجها معروفة سلفا. لقد كانت تونس وستظل أول بلدان الربيع العربي التي ثارت على الظلم والاستبداد والفساد وستكون تونس خلال أقل من ثلاثة أسابيع أول بلد يشهد تنظيم انتخابات تعددية بمشاركة مختلف القوى السياسية في البلاد التي تأهلت لخوض غمار التجربة الانتخابية فهل تكون على الموعد؟