تتقدم العديد من الأحزاب السياسية إلى انتخابات المجلس التأسيسي المنتظر ليوم 23 أكتوبر الجاري. وإذ تشارك هذه الأحزاب في هذا الحدث الهام فإنها تتوجه إلى الناخب ببرامج انتخابية تتضمن مجموع المشاريع التي تتعهد بتنفيذها في صورة فوزها بالانتخابات. ولكن المتصفّح لبعض البرامج الانتخابية المطروحة أمام الناخب التونسي اليوم يلاحظ أنه وقع التطرق إلى مسالة «الثقافة» في النقاط الأخيرة لهذه البرامج وفي باب منفرد عن جملة الأبواب الأخرى كالميادين التربوية والاجتماعية والسياحية. وجاءت أغلب الاقتراحات الثقافية شبيهة بالشعارات ولم تخرج من باب العموميات. والسؤال كيف يمكن أن نطمح لمجتمع عصري ومدني وحداثي ببرامج ومشاريع لا تضع المسالة الثقافية ضمن الأولويات؟ وكيف يمكن أن نتطلع إلى مجتمع تتعايش فيه جميع الحساسيات السياسية والفكرية بدون أن يتحول الثقافي إلى مشغل أساسي بالمجتمع؟ ما قادنا إلى مثل هذه الأسئلة وغيرها في نفس المعنى الحظ القليل للثقافة في البرامج الانتخابية لأغلب هذه الأحزاب. تصفّحنا بالمناسبة عددا من بين هذه البرامج الانتخابية بحثا عن النقاط المتعلقة بالشأن الثقافي فكانت النتيجة كالآتي: الحزب اللّيبرالي المغاربي ينوي في برنامجه «جعل الثقافة مطلبا وحاجة جماعية وأداة للتنمية وموردا للاقتصاد وسبيلا إلى الإبداع والابتكار بوضع سياسة ثقافية وطنية جديدة وإنشاء أكاديمية وطنية للثقافة والفنون ومجلس أعلى للآداب والفنون» أما بالنسبة لحزب الحركة التقدمية التونسية فقد اكتفى «بتشجيع الحركة الثقافية بإعطائها الإمكانيات اللازمة والمكانة المستحقة».
ترف وكماليات
واعتبر الحزب الديمقراطي التقدمي أن «السياسة الثقافية هي تحرير للمواهب والنهوض بكل الفنون.. فالثقافة تعكس ضمير وروح الأمة من خلال الفنون والآداب والعلوم وأيضا من خلال طريقة تفكير وتصرف الشعب وبعد عقود طويلة من الرقابة يتعين على السياسة الثقافية الجديدة أن تضع حدا لكافة أشكال الرقابة والوصاية على الثقافة، إلى جانب الحفاظ على الذاكرة والتشجيع على الإبداع». ويرى الحزب الاشتراكي اليساري «أن الثقافة تكوّن الوجدان العام للشعب، وأن الشعب الحي هو الذي دائما على صلة وجدانية وثيقة بتراثه وتاريخه وبالتراث الإنساني والتاريخ العالمي» لذا سيعمل على «إعطاء التراث والثقافة البعد الشعبي والتقدمي والتاريخي» وسينهل «من النيّر والعريق من التراث الخاص ومن التراث العالمي» في رسم برنامجه الثقافي و»ينتصر للثقافة الشعبية والتقدمية النيّرة ويعارض المضامين المتفسخة والغازية كما يعارض المضامين الرجعية والظلامية، وينتصر أيضا للهوية الثقافية الوطنية ضد الغزو الثقافي الذي يحدث باسم «العولمة» أو باسم «الهوية». أما حزب التكتل من أجل العمل والحريات فسيعمل «من أجل أن تكون الثقافة موجهة إلى كافة المواطنين وحقا من حقوقهم بإبراز قيمة الجهات من خلال مظاهر الثقافة المحلية، وجعل الثقافة عامة جوهر النهوض بالإنسان» مع «تعميم فضاءات الخلق والإبداع والتكوين الثقافي والمكتبات داخل كافة التجمعات السكنية» كما سيتولى الحزب «تشجيع الخواص على الاستثمار في الثقافة من خلال عمليات الإعفاء الجبائي وتمويل المؤسسات الثقافية وإحداث وكالة النهوض بالاستثمار الثقافي». ومن جهته بوّب حزب حركة النهضة الثقافة على أنّها «دعما للهوية وانفتاحا على المكتسبات الإنسانية بحماية حرية الإبداع ووضع القوانين التي تضمنها» بالإضافة إلى «نشر ثقافة في خدمة الإنسان حرا مكرما حاملا لأمانة ومؤديا لرسالة» مع «التشجيع على إقامة مدينة سينمائية في جهة صحراوية وإنشاء استوديوهات للإنتاج والتصوير السينمائي وتطوير الدراما التلفزية وتمكينها من وسائل الانتشار عربيا وعالميا» إلى جانب «تطوير معاهد الموسيقى والإحاطة بالجمعيات الموسيقية لتأطير المواهب».
السينما بالصحراء
حزب التقدّم من جهته أكّد في بيانه أن «الثقافة أساسا مكمّلا للتعليم والتكوين وتغذية الفكر والبعد الإنساني فضلا عن دورها الهام في الترفيه وفي تأمين جودة الحياة» ومن هذا المنطلق «يجب أن تكون السياسة الثقافية هادفة إلى الارتقاء بالمستوى الفكري للمواطن ومشجّعة على الاستنباط والإبداع والمساهمة في النهوض بالحسّ الفني دون أن تكون حكرا على النخبة» كما أن الثقافة اليوم «لا تقتصر على تنمية النشاط الفكري فحسب بل تعدت ذلك بأن أضحت نشاطا اقتصاديا محركا لعجلة التنمية» لذلك يجب «تمتيعها مستقبلا بنفس الحوافز المخولة للاستثمار العام والخاص في المادة الاقتصادية». الائتلاف الديمقراطي المستقل مثلا يعتبر أن «التربية والتعليم في مقدمة الوسائل الكفيلة بتغيير العقليات وترسيخ قيم التسامح والاعتدال والاجتهاد والانخراط الواعي والعميق في النهوض بالمجتمع ثقافيا وسياسيا واجتماعيا» مع «احترام حق الاختلاف الفكري والعقائدي..» و»الوفاء للأبعاد التحررية والتقدمية في فكر رموز الإصلاح والتجديد في تونس منذ مطلع القرن التاسع عشر ودعم مشروع التحديث الذي قطع التونسيون والتونسيات أشواطا هامة في إنجازه وترسيخه على صعيدي المجتمع ومؤسسات الدولة». وقس على ذلك من الجمل والفقرات التي تتحدّث عن الثقافة وكأنها ترف أو من الكماليات.