بقلم: نزيهة المقري قرأت باستغراب الحديث الذي أدلى به السيد البشير الصيد ل«الصباح» الغراء يوم الخميس، وتعجبت من تهديده منذ الآن بالطعن في نتائج الإنتخابات المقبلة لمجرد أن أربعة أو خمسة أحزاب، كما قال، تستخدم المال في حملاتها السياسية. وهو ينصح الفاشلين في الإنتخابات بإعداد ما دعاه «الاثباتات والشهادات» مسبقا للقيام بقضايا في ابطال النتائج. فهل يجهل العميد الصيد أو يتناسى أن الأحزاب في جميع الأنظمة الديمقراطية تحتاج إلى المال لإدارة حملاتها الإنتخابية، وهو مال سياسي لكنه طبعا مال نظيف ومراقب من أجهزة الدولة. أما ما ثار ضده العميد الصيد فهو وجود مال سياسي في ذاته من دون أن يُثبت لنا فساد مصدره، مما يجعل المرء يحتار في تفسير أسباب هذه الحملة الشعواء؟ ولكي نضع الأمور في نصابها ينبغي التذكير أولا بأن السيد الصيد ليس مترشحا للتأسيسي، وهو ليس عضوا في أي حزب سياسي، مع أنه كان ينسب لنفسه أبوة التيار الناصري، مما يدل على أنه لم يجد مكانا يحتضنه في الخارطة السياسية، فطفق يتهجم على الآخرين. وقد اختار زاوية معينة لشن هجومه على كل الأحزاب من دون تمييز، وهي زاوية المال السياسي كما أسلفنا. والذين عاشوا في أوساط المحامين طيلة العقدين الماضيين يعرفون أن العميد الصيد انهزم في انتخابات العمادة أمام العميد الحالي الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني، لأن القاعة التي كانت تغص بآلاف المحامين هتفت بصوت واحد لمدة غير قصيرة بأنها ضد الفساد... وكان الجميع يعلم أن خلفية ذلك الموقف هي المشاكل التي أثارتها إدارة العميد الصيد لأموال العمادة واستقالة أمينة المال احتجاجا على طريقة الإدارة الفردية، وقضية السيارة الفخمة والرحلات المُريبة إلى الخارج... وقد كانت كلها حديث المحامين في الجلسة العامة التي رفضت تزكية العميد المنتهية ولايته بشير الصيد لفترة جديدة. هل بعد هذا يتجرأ اليوم على اتهام أحزاب وطنية بأنها «تدلس الإنتخابات بالمال السياسي..» وأن «التدليس بشراء الذمم والاصوات أخطر من التدليس الذي كان «يُنظم» في عهد المخلوع بالترغيب وبالبوليس السياسي»؟ مازالت كلمات العميد الصيد في إطراء المخلوع تتردد في آذاننا حتى اليوم، وإن نسيها يمكن أن نذكره بها بالنص. لذا فمن كان بيته من زجاج عليه أن يُحاذر من إلقاء الحجارة على الآخرين، وإلا ستتساقط الملفات وتكشف أوراقا كثيرة مازالت مخفية. ويزداد المشهد وضوحا حين يُدهشنا العميد الصيد بسعيه للحصول على موقع بعد الثورة، وتحديدا بعد انتهاء فترة المجلس التأسيسي، بعدما أخذ حظه وزيادة في العهد السابق، فنراه يُشدد في حديثه للصباح على ألا يمكث أعضاء المجلس طويلا في آرائكهم، «والمطلوب منهم كما قال، انهاء مهامهم في أقرب وقت ممكن، وأن يبادروا اثر نجاحهم باختيار حكومة انقاذ وطني بمشاركة كل مكونات المجتمع المدني، من الأطراف التي نجحت في انتخابات المجلس التأسيسي، والتي لم تنجح، وكذلك من الوطنيين الذين لم يترشحوا ل«التأسيسي»، اذ من المحتم أن تشارك جميع الاطراف الوطنية في حكومة انقاذ وطني، حتى نتجنب الصراعات والتصدعات»، أي يا جماعة لا تنسوني فصحيح أني لم أترشح للتأسيسي، لكن مكاني يجب أن يكون مضمونا في حكومة الإنقاذ الوطني... هيهات، هيهات.