بأسماء رنانة وذات وزن حقوقي وسياسي دخل عدد من الأحزاب والقائمات المستقلة انتخابات المجلس التاسيسي في اعتقاد راسخ بأن شخصياتها المترشحة يمكنها أن تكون محل اهتمام من قبل الناخب يوم التصويت حتى أن البعض منهم "حجز" موقعه داخل المجلس في اعتقاد راسخ بان الناخب لن يختار سواه. غير أن هذه الرؤية الهلامية سرعان ما عرفت طريقها إلى السراب وكشف صندوق الاقتراع فراغا هز معه "عرش" بعض الأحزاب التي سارعت للبحث عن الاسباب المباشرة لهذا الانحدار الذي لم يكن ظاهرا في بداية الحملة الانتخابية وحتى مؤسسات سبر الاراء لم تكن قادرة على رصد التحولات السريعة للشارع السياسي خلال استبياناتها التي اكدت أن عددا من الاحزاب تخضع بدورها إلى قاعدة العرض والطلب. وامام افرازات الصندوق وقفت احزاب لمراجعة تمشيها الحزبي ووقفت اخرى لتقديم نقدها الذاتي وصل ببعضها إلى حد الجلد ووقف اخرون لا يعرفون مستقبلهم في هذه الخارطة الجديدة في احالة مباشرة إلى غلق مقراتها والعودة من حيث اتوا. ولعل بارقة الامل بالنسبة للبعض هي تلك الدعوات التي تقدمت بها اطراف اخرى حزبية منها أو مستقلة في دعوة إلى تنظيم الصفوف من جديد والتاكيد على أن ما يجمع المتنافسين اكثر مما يفرقهم وهو ما يبشر بميلاد تحولات سياسية جديدة لم تعهدها الساحة من قبل كتوحيد الصف القومي واليساري والتحاق عدد من دخلوا الانتخابات الاخيرة بعلامة مستقل والانضمام إلى احزاب.
اعترافات
وقد اقرت بعض الاحزاب بفشلها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي رغم ما بذلته من جهود حيث اعتبر الاتحاد الديمقراطي الوحدوي " أن القصور في الأداء ناجم عن انعدام إمكانيات الحزب المالية والإعلامية ولأسباب خارجة عن إرادته تتعلق بالمشهد السياسي الوطني والترتيبات السياسية والمالية." وقد اعلن المكتب السياسي للحزب في بيان له عن " حل نفسه وتحوله إلى هيئة قيادية مؤقتة لتصريف الشأن اليومي للحزب إلى حين انعقاد المجلس الوطني للحزب ليقرر ما يراه صالحا بخصوص قيادة المرحلة المستقبلية وتحديد آلياتها ومنهجيتها".
اليسار... أسئلة مطروحة
واثارت النتائج الهزيلة لليسار عدة اسئلة في الاوساط السياسية سيما بعد التاكد من حالة الانفصام بين القيادات الحزبية والجماهير وهو ما دعا بالبعض إلى البحث عن الامكانيات المتاحة لاعادة تشكيل الصفوف والاعداد الجيد للانتخابات التشريعية القادمة بعد أن فشلت الاحزاب والقائمات المستقلة ذات التوجه اليساري من تجاوز3 بالمائة من الانتخابات. وقد دعت شخصيات سياسية إلى تجاوز عقدة " الانا " واعادة التفكير في صياغة مفهوم اليسار والاصلاح الهيكلي الممنهج حتى لا يكون اليسار خارج حسابات المواطن التونسي في الانتخابات القادمة. واعتبرت شخصيات يسارية " أن الدعوة للاصلاح الحزبي لن تمر دون كتابة تاريخ اليسار بموضوعية كاملة مع ضرورة التحلي بالقدرة على التحليل والفهم العميق للاحداث وهو ما تقوم به الكوادر السياسية في غالب الاحوال غير أن نموذج اليسار التونسي من " كوادر ومنظرين " كثيرا ما يدعون الفكر والتحليل بينما لا تتعدى قدراتهم السجالية والمغالطات واللعب بالكلمات كما حصل في جلسات الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة والحملات الانتخابية، فهم يخلطون بين الفصاحة والفكر العميق لذلك تجدهم يبالغون في "الرغي" وهو ما يظهر عدم التمييز بين الكلام والافكار". والنتيجة هي أن اليسار لا يحتاج إلى حناجر قوية تكرر نظريات الماركسية اللينينية أو الترتسكية أو الماوية للتاثير على الجماهير فالشارع لا يابه إلى " الشبه شبه أو إلى الكمبرادورية أو الراسمال الوطني التابع وغيرها من الاشارات الايديولوجية " بل يحتاج إلى زعماء حقيقين يقودون المرحلة بعيدا عن النماذج المهزوزة لبعضها والتي لا تملك في اغلبها سوى " شارب وحنجرة". وهو ما اكده الامين العام لحزب العمال الشيوعي التونسي حمة الهمامي في ندوته الصحفية الاخيرة الذي اعترف بصريح العبارة قائلا " خطا اليسار في عدم توحد قائماتها".
حزب "توة".. ضرب الانتهازية !
وبعيد عن النقد فان أحزاب ما بعد 14 جانفي تستعد بدورها لتقييم مشاركتها في انتخابات التأسيسي واختيار منزلة بين المنزلتين أما معارضة وأما حكومة والخروج من دائرة أحزاب عدم الانحياز التي لا تعرف إلى حد الآن أي موقع هي تريد الأمر الذي خلق معه حالة من المشاحنات بين القيادات والعناصر المنتمية. ومن بين الأحزاب التي خيرت تقييم المرحلة بتأن وترو الحزب الوطني الحر أو ما بات يعرف شعبيا بحزب "توة" فقد أكد ناطقه الرسمي محسن حسن أن الحزب بدأ يفكر في معالجة بعض الاخلالات التي ظهرت وتم اكتشافها اثناء الحملة الانتخابية وهو ما سيعيننا على مواصلة الطريق والنشاط والاقتراب اكثر إلى نبض الشارع." واضاف حسن أن الملتحقين بالحزب جاؤوا لعدة اسباب منها من اجل النضال والتقدم بالحزب ومنها من التحق طمعا وقد اثبتت الحملة الانتخابية معدن المناضلين الصادقين وكشفت الاخرين."