انطلقت مساء أمس بأحد نزل ضاحية قمرت الشمالية أشغال «مؤتمر» تنسيقي تشاوري يعقده «المجلس الوطني السوري» المعارض الذي يضم غالبية تيارات وقوى المعارضة ضد النظام السوري... هذا «المؤتمر» الذي يتواصل على امتداد ثلاثة أيام وتحضره مائتا شخصية سياسية من ممثلي المعارضة السورية يأتي «من أجل تنسيق وتنظيم العمل لوقف القتل اليومي الذي يمارسه النظام الاجرامي» كما أشار إلى ذلك الذكتور برهان غليون الذي لم يستبعد أن يكون رئيس الجمهورية الدكتور المنصف المرزوقي حاضرا في افتتاح المؤتمر... وسواء حضر الدكتور المرزوقي بصفته رئيسا للجمهورية الجلسة الافتتاحية لهذا المؤتمر أولم يحضر... فإن مجموعة أسئلة لا بد أن تطرح نفسها هنا اعتبارا خاصة لطبيعة هذا الموقف الرسمي التونسي من الأحداث التي تجرى في سوريا وهو موقف يبدو جديدا بالكامل على الطابع «التقليدي» لتوجهات الدبلوماسية التونسية الموسوم تاريخيا «بالتحفظ» و»بعدم المجازفة واستباق الأحداث» وخاصة.. خاصة «بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول».. السؤال الأول سيكون بالتأكيد حول مغزى ودلالة أن تحتضن العاصمة التونسية اجتماعا للمعارضة السورية بهذه الدرجة من الأهمية والتمثيلية. فإذا كان يبدو مفهوما مثلا أن تبادر تركيا الأردوغانية باحتضان «مؤتمر» كهذا للمعارضة السورية وذلك لاعتبارات «جغراسياسية» معلومة وواضحة فإن «لا شيء» تقريبا من شأنه أن يحمل تونس على مجاراة هذا «التوجه» التركي... فلماذا إذن ومن أجل ماذا تحديدا أخذت الدبلوماسية التونسية «قرارها» هذا . طبعا ومن منظور أخلاقي وانساني فإن هذا «الموقف» التونسي يكتسب «شرعيته» بل وحتى «مشروعيته» اعتبارا خاصة لطبيعة الجرائم البشعة التي ما فتئ يرتكبها نظام الأسد في حق أبناء الشعب السوري واعتبارا للصورة الجديدةلتونس ما بعد ثورة 14 جانفي التي يتعين أن تتكيف «مواقفها» السياسية المعلنة على الأقل مع البعد التحرري الشجاع للمقومات التي قامت عليها ثورة شعبها على الفساد والاستبداد.. ولكن هل يعني هذا بالضرورة أن الثورة يجب أن «تجب» وبسرعة ما قبلها.. خاصة في مجال الدبلوماسية والعلاقات مع الدول؟... ثم،، ما نصيب مصالح الجالية التونسية وسلامة أفرادها من مواقف دبلوماسية كهذه تبدو مستعجلة واستعراضية؟ ! مثل هذه الأسئلة تبدو مشروعة بدورها ولكنها قد لا تفسر في حد ذاتها الدوافع الخفية وربما العميقة لبوادر هذا التحول بمعدل تسعين درجة في خيارات الدبلوماسية التونسية والذي يعكسه هذا الموقف التونسي الرسمي مما يجري في سوريا.. يبقى لزاما إذن ومن أجل الوقوف على المنطلقات الحقيقية لهذا الموقف الرسمي التونسي من أحداث سوريا أن يعود المتابع بذاكرته السياسية إلى أربعة أشهر خلت وتحديدا إلى تاريخ منتصف شهر أوت الماضي لما أقدمت حكومة السيد الباجي قائد السبسي على استدعاء «سحب» السفير التونسي من دمشق مجارية في ذلك بعض دول الخليج (قطر والامارات) وسابقة في ذلك كل الدول العربية (مشرقا ومغربا).. فهل يعني هذا أن القرار التونسي الجديد باستضافة ثاني أكبر اجتماع للمعارضة السورية بعد اجتماع اسطنبول هو في جانب منه «قرار خليجي» (قطري تحديدا؟).. يبدو أن هذا هو السؤال الأخطر والأكثر ارباكا للرئيس المنصف المرزوقي خاصة إذا حضر افتتاح أشغال هذا المؤتمر.