صالح عطية يطوي شعبنا اليوم سنة محورية شديدة الأهمية في تاريخه الحديث والمعاصر.. فقد أنجز ثورة هزت أعتى ديكتاتوريات الألفية الثالثة، وحطم صنما فرعونيا بطريقة شجاعة وجريئة، أذهلت العالم، وأقامت الدنيا وأقعدتها بشكل غير مسبوق.. وإذ نحيي اليوم شهداء ثورة 14 جانفي وجرحاها البواسل، الذين عبّدوا لنا بدمائهم الزكية طريق الحرية، وفتحوا أمامنا مسار الديمقراطية والعدالة، فإننا نحيي كذلك الشعب التونسي، بكافة مكوّناته وأطيافه ونخبه وطبقته السياسية الذي تكبّد الصعاب في هذا العام، وعانى الويلات، لكنه أعطى نموذجا لكافة الشعوب في الصبر والعزم والتطلع إلى المستقبل.. ورغم صعوبة المرحلة، ودقة الوضع الدولي، وكثرة المتربصين بالثورة العظيمة، وصراعات الداخل، وتجاذبات الخارج، فقد توصل الشعب التونسي إلى وضع اسس الدولة الديمقراطية المدنية، التي يعلو فيها القانون، وتهيمن فيها المؤسسات المنتخبة.. مثلت انتخابات 23 أكتوبر بوابة الدخول إلى عصر سياسي جديد في بلادنا، حيث قطعت مع أسلوب استبدادي في اختيار الحاكم، فتشكل مجلس وطني تأسيسي، وانتخب رئيس للجمهورية من رحمه، وتألفت حكومة ائتلافية منتخبة، وصادق المجلس على قانون وفاقي لتنظيم السلط العمومية، وعلى موازنة العام القادم.. وتم كل ذلك بسلاسة وتحضر، ولكن وهذا الأهم في كنف استقلالية القرار الوطني، وسيادة الدولة واحترام الارادة الشعبية، وفي إطار ديمقراطي شفاف، وهو ما يندر تحقيقه في تجارب الشعوب بهذه الكيفية، وفي هذا التوقيت الزمني الضيق، وضمن مناخ، تعاني فيه البلاد، هشاشة أمنية، وتجاذبات سياسية، وارتفاع سقف المطالب الاجتماعية، وندرة الامكانات المالية، وتراجع حركة الاستثمار الداخلي والخارجي.. واليوم، وقد حقق شعبنا هذه «المعجزات»، يستقبل سنة ادارية جديدة، بصفحة تحديات جديدة، لا تقل وطءا عن ظروف الفترة الماضية.. فميزانية الدولة تشكو صعوبات، وأجواء الأمن مدعوة للتحسنّ، والمستثمرون منكمشون ومترددون، ولكنهم متحفزون أيضا، والوضع الاجتماعي شديد الصعوبة، والحكومة الجديدة مطالبة ببعث أمل جديد في النفوس، وتحفيز للطاقات، وتشريك للكفاءات، وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وتضييق دائرة الفقر، وتقليص بؤرة التفاوت بين الجهات المحرومة.. المطلوب حالة استنفار قصوى، في الدولة والمجتمع، والطبقة السياسية والنخب وحركة الاستثمار، وفي مستوى علاقاتنا الدولية، لأن طيّ صفحة الماضي بصورة نهائية يتوقف على ما سوف نحقق في السنة الجديدة. والتونسيون قالوا كلمتهم منذ 14 جانفي بالتحديد، وهو أن المستحيل ليس تونسيا.. فالثورات بدأت من هنا.. وشرارة التغيير انطلقت من ربوعنا.. والنجاح في بناء تونس الحرة، ينبغي أن يبدأ من اللحظة الأولى لسنة 2012.. وهذا ليس بعزيز على التونسيين..