عادة ما يكون توديع عام إداري ماض واستقبال عام جديد مناسبة للتقييمات والإحصائيات واستخلاص العبر واستشراف المستقبل القريب ولكن قد يكون من المفيد أحيانا خاصة وأن التونسيين يودّعون عاما استثنائيا مثقلا بالأحداث وبالمشاغل والهموم أن نروي لمن يمنحنا أذنا صاغية حكاية معبرة يمكن أن تكون طرفة، كذلك لمن يؤمن بالقول المأثور "شر البلية ما يضحك". المهم أننا يمكن أن نراهن على أن من يطلع على فحوى هذه الحكاية أو هذه الطرفة يقر أن الهم يختلف وأن من يطلع على بلايا الناس قد تهون عليه بلاياه، ولا جدوى ربما من التذكير ببلايانا في تونس وعلى رأسها بطبيعة الحال وقوعنا تحت براثن حكم ديكتاتوري جثم على صدورنا ليس أقل من ثلاثة وعشرين عاما. الطرفة استقيناها من خبر أوردته الصحيفة الفرنسية الساخرة "لو كنار أونشيني" "Le Canard enchainé" في عددها الأخير. روت الصحيفة الآتي: في خضم الانتخابات العديدة التي خاضها العالم يبدو أننا نسينا أن الانتخابات التي أجريت مؤخرا في غمبيا هذا البلد الإفريقي الذي يحيط به السينغال من جهات ثلاث قد أعاد انتخاب "يحيى جمّاح" رئيسا له. الرئيس الجديد لغمبيا كان قد وصل إلى السلطة اثر انقلاب قاده سنة 1994 ووقع انتخابه إثر ذلك أربع مرات متتالية رئيسا للبلاد. ولكن لسائل أن يسأل أين الطرافة في ذلك والحدث يقع في افريقيا قارتنا السمراء التي يمكن أن تنتخب نفس الشخص عشرات المرات ثم إذا ما داهمه المرض فإنها تورّث الحكم لنسله وكأنه حق مقدس وشرعي. إن الطّرافة تكمن في أن رئيس غمبيا الذي كان مجرد حارس شخصي قد أعلن نفسه هكذا وبدون أن يجرؤ أحد على تكذيبه أستاذا جامعيا متخصصا في الاقتصاد وقائدا في جيش الاحتياط وطبيبا كذلك. وقد تمكن حسب نفس الصحيفة التي أوردت الخبر من إقناع الناس بأنه يملك قوة خارقة وسحرية تجعله يعالج داء "السيدا" (المتفشي في إفريقيا السوداء) فقط من خلال استعمال حشائش وأعشاب معينة. الرجل الذي أعلن نفسه طبيبا وجامعيا واخترع لنفسه ماضيا مهما وجعل نفسه من أبرز أعيان البلاد له إجابة واضحة كلما تم استفساره عن مصدر تمويلاته لمشاريع كبرى من بينها تشييده لمعلم مقلد عن قوس النصر بفرنسا وتركيزه في مدخل عاصمة بلاده كدليل على انجازاته العظيمة -وحال بلاده ومداخيلها معروفة- كلما سئل عن ذلك يقول ببساطة 'أن الله هو الذي منحه هذه الأموال". وفي حقيقة الأمر فإن عدة مصادر تجمع على أن رئيس غمبيا يمارس مختلف فنون التجارة في المحرّمات على غرار المخدرات والأسلحة إلخ.. وهو لا يجد حرجا في كتم أنفاس الصحفيين إذا ما أرادوا أن يحققوا في الأمر وله في ذلك باع وذراع. حكاية هذا الرئيس الإفريقي هي في حقيقة الأمر من المضحكات المبكيات. فالأفارقة ونحن لنا عمقنا الإفريقي لا يستحقون مثل هذا القدر. وحكاية كهذه تكشف لنا كم أن مأساتنا -ونحن الشعب الذي عشنا ظلم الديكتاتورية وخبرنا مساوئ الأنظمة الفاسدة- خفيفة أمام معاناة عدد من البلدان الإفريقية التي تلتقي فيها جميع العوامل من فقر وجهل وأمراض وأوبئة وفساد مالي وسياسي وآفاق غير واضحة لجعلها محرومة من حقها في العيش الكريم. أملنا ونحن في تونس قد قدمنا المثال الإيجابي لافريقيا ولمختلف شعوب العالم التي ترزح تحت وطأة التخلف والظلم وقهر الأنظمة الفاسدة من خلال نجاح ثورتنا الشعبية وخوضنا لتجربة الديمقراطية أن يصل الربيع الذي انطلق من تونس إلى كامل تراب افريقيا قارتنا السمراء. أملنا بطبيعة الحال أن يتحدث العالم مستقبلا عن افريقيا بصيغ أخرى وهي القارة الشابة بسكانها الأكثر شبابا وهي القارة الخصبة بأنهارها ومحيطاتها وهي القارة التي يكاد كل أبنائها يولدون فنانين. أملنا أن لا يجد العالم قريبا حكاية للتفكه والتندر شبيهة بحكاية رئيس غمبيا لأن من يضحك على جزء من افريقيا فكأنما ضحك على قارتنا السمراء بأسرها.