في دراسة علمية استشرافية نزلتها المخابرات الأمريكية «CIA» بخصوص مستقبل العالم الى حدود 2025 نشرت أخيرا ويتعلق جزء منها بطبيعة الحال بمستقبل قارتنا السمراء خلاصتها تقريبا أن الخوف المبالغ فيه بخصوص شح المواد الأولية دفع بالصين الى الاهتمام المتزايد بافريقيا، حيث شرعت منذ مدة فيها بما يشنه التموقع، مثلما تفعل كوريا الجنوبية التي اقتنت أخيرا مساحات فلاحية شاسعة من حكومة مدغشقر بغاية زراعتها وتأمين حاجياتها المستقبلية من الارز والحبوب. كما تبيع حاليا أنغولا ما يتجاوز نسبة 60% من انتاجها النفطي الى الصين التي تهتم عن قرب بموارد نيجيريا النفطية ومناجم الأورانيوم بالنيجر لسد حاجيات مولداتها النووية. وهذا «الاهتمام» الآسيوي بافريقيا لا يمثل اجماليا خطرا على مستقبل قارتنا بالنظر الى أن الشركات الافريقية تحتاج الى حضور خارجي يعجل من وتيرة تطور بنيتها التحتية ويدفع بها دون إهانتها، الى تحديث اقتصادياتها. والصين في هذا الحالة مؤهلة انسانيا على الأقل للاضطلاع بهذا الدور افضل من أوروبا «العجوز». ومن المنتظر، حسب الدراسة، أن تكون الهند مستقبلا من أكبر المزاحمين للصين في هذا المجال، وبالفعل فإن حاجيات جنوب آسيا وامكانياتها هي اجمالا نفس حاجيات الصين، لكن معرفة التجار الهنود والباكستانيين وأهمية القنوات التجارية التي يركزونها في الواجهة الشرقية للقارة السمراء على الأقل، تجعل منهم أوفر حظوظا لاستباق الصين في الغرض، ففي جنوب افريقيا مثلا فإن أهم الثروات في يد هنود وحضورهم السياسي بها مهم للغاية، كما هو الشأن بالنسبة لكامل افريقيا الشرقية الى حدود أوغندا ومشارف السودان، حيث بقي الإرث الحقيقي لغاندي الذي كما هو معلوم بدأ حياته السياسية كمحام في جونسبورغ الشيء الذي يخول له الاستنتاج بأن محور افريقيا الجنوبية وكينيا والهند سيتحرك مستقبلا بأكثر فاعلية مدعوما ببرنامج بحري هندي طموح مثلما فعلت انقلترا سابقا. ومن الجهة المقابلة، أي على الواجهة الأطلسية حيث بدأت البرازيل من جهتها تكتشف منابع النفط البحرية، مما جعلها تهتم بصفة لصيقة بأنغولا التي تشاركها نفس اللغة البرتغالية لتصبح تدريجيا القوة الجهوية المرجعية في افريقيا الاستوائية. أما الواجهة الغربية انطلاقا من السينغال والتي كانت تاريجيا ولاتزال منطقة نفود رجال أعمال سوريين ولبنانيين، مسيحيين ومسلمين، فإنه سيكون لا محالة لهم كلمتهم المسموعة في تقاسم ثروات وتطور القارة. كما أن القوى الأوروبية فرنسا وبريطانيا على وجه الخصوص لم تقل كلمتها الأخيرة بخصوص مستقبل تواجدها في شرق افريقيا رغم تداعي حضورها بها بصفة ملحوظة. الخلاصة التي يمكن استخراجها من هذه الدراسة الاستراتيجية والعملية المعمقة التي أعدت لأغراض معلومة، اذا ما صحت الاستنتاجات التي توصلت اليها، هي مدى قدرة الأفارقة وإرادتهم وصدق عزمهم وكامل وعيهم بما يحاك ويخطط له على أرضهم لتوظيف هذا الصراع والتنافس المتحدث عنه لفائدة النهوض بافريقيا والانسان الافريقي كي يتولى مصيره بيديه ويحسم أمره ويأخذ مكانه تحت الشمس، شمس الحرية والانعتاق والتقدم بعيدا عن الوصايات المقيتة والاستغلال الفاحش.