عندما يتنادى أكثر من رئيس دولة وحكومة وشخصيّات سياسيّة مرموقة من بلدان عربيّة واسلاميّة شقيقة وصديقة لزيارة تونس ومشاركة الشّعب التّونسي احتفالاته بالذّكرى الأولى لثورة 14 جانفي المجيدة فانّ ذلك يعني - من بين ما يعني - أنّ هذه الثّورة العظيمة قد أعادت لتونس - علما ودولة - مكانتها الاعتباريّة اقليميّا ودوليّا وأنّها لم تعد في نظر العالم - كما كان شأنها في عهد المجرم بن عليّ - ذلك البلد الذي يختزل في نظام سياسي قمعي بوليسي فاسد مصنّف على أنّه واحد من أعتى الدّيكتاتوريّات في المنطقة ... أيضا عندما يحضر الى تونس في نفس الاطار وفي زيارة صداقة وعمل هذه المرّة - وليس في زيارة استجمام خاصّة - أمير دولة قطر الشّقيقة لتهنئة الشّعب التّونسي بنجاح ثورته وللاشراف على توقيع مجموعة اتّفاقيّات تعاون ومذكّرات تفاهم تخصّ مشاريع استثماريّة وتنمويّة مختلفة بين تونس الثّورة وقطر المال والأعمال من بينها - على سبيل الذّكر لا الحصر - اتّفاقيّة استثمار في سندات على الخزينة التّونسيّة ومذكّرة تفاهم بين بنك قطر الوطني ووزارة الماليّة التّونسيّة بشأن البنك التّونسي القطري فانّ ذلك يعني أنّ الثّقة بالدّولة التّونسيّة وبمؤسّساتها الماليّة وبنظامها السّياسي قد عادت وأنّه لم تعد هناك "روائح" لفضائح ماليّة وسياسيّة منفّرة تنبعث من قصر قرطاج - مثلا - أو من قصر الحكومة بالقصبة أومن مؤسّساتنا الماليّة وتتناقلها في مذكّرات وتقارير سريّة سفرات العالم في تونس كما كان الشّأن في عهد المجرم بن عليّ وعصابة أصهاره الطّرابلسيّة ... ضيوف الثّورة التّونسيّة الكبار وعلى رأسهم أمير دولة قطر ورئيس الشّقيقة الكبرى الجزائر ورئيس المجلس الانتقالي اللّيبي والرئيس المورتاني وغيرهم من وزراء ومسؤولين سياسيّين مثل وزير الخارجيّة الكويتي ووزير خاجيّة السّلطة الفلسطينيّة هم جميعا مرحّب بهم رسميّا وشعبيّا عندنا في تونس - لافقط - لأنّهم اخوة كرام أو لأنّ روابط تاريخيّة تجمع الشّعب التّونسي بشعوب الدّول الّتي يمثّلونها في احتفالاتنا بالعيد الأوّل لثورة 14 جانفي التّاريخيّة ولكن خاصّة لأنّ قدومهم هذا وفي هذه المناسبة تحديدا هو "خطوة عزيزة" - باتمّ معنى الكلمة - سيقدّرها لهم عموم التّونسيّين حقّ قدرها لأنّها - من جهة - تنمّ عن مشاعر مودّة صادقة وتقدير واعتزاز واعجاب بالشّعب التّونسي وبثورته على نظام الفساد والاستبداد وأنّها - من جهة أخرى - تترجم استعدادا رسميّا من دولهم لمؤازرة تونس وشعبها في هذه المرحلة الدّقيقة من تاريخها السّياسي والاجتماعي... أمّا أولئك الايديولوجيّون الّذين يدّعون في الدّبلوماسيّة "فلسفة" والّذين يحاولون الثّشويش - اعلاميّا - على هذه الزّيارات الأخويّة التّاريخيّة تحت شعارات مختلفة مثل شعار "حتىّ لا يقع ارتهان القرار السّياسي للمال الخليجي" - مثلا - فانّنا نقول لهم اتّقوا اللّه في تونس وفي ثورتها وفي شعبها ودعوا الحسابات السّياسيّة الضيّقة ولا تكونوا كمن لا يستطيع النّظر الى أبعد من أنفه... فتونس وثورتها ومستقبلها أمانة اليوم في عنق كلّ التّونسيّين فلا يغرّنّكم التّحزّب ولتكونوا في مستوى هذه الامانة التّاريخيّة العظيمة وفي مستوى القناعات الوطنيّة الشّريفة الّتي لا نشكّ لحظة في أنّكم تؤمنون بها...