طالب عدد من نواب المجلس التأسيسي أمس بتوفير حماية لنواب المجلس عند تنقلهم إلى الجهات، بعد أن تعرض بعضهم إلى "سوء المعاملة" كما قيل في بعض الجهات الداخلية.. فالكثير من النواب والعهدة على الرواة تحدثوا عن تعقيدات واجهتهم عند محاولتهم الدخول في حوارات مع المعتصمين، حيث ووجهوا بعدم الاكتراث واللامبالاة، بل رفض المعتصمون تدخلات البعض منهم ومساعيهم لفك الاعتصامات، واضطر نواب عديدون للعودة من حيث أتوا، من دون التوصل إلى أي نتيجة... نواب المجلس، أكدوا أن السلط الجهوية لم تهتم بهم، ولم تسهل أعمالهم، وتركتهم يواجهون المعتصمين والمحتجين، بلا أية حماية تذكر... يا سبحان الله !! نواب يطلبون الحماية من شعبهم، أو من جزء منه على الأقل ! صحيح أن المقصود هنا، المعتصمون والمحتجون، وصحيح أيضا، أن هؤلاء المعتصمين ليسوا كلهم من أجل أهداف نقابية أو اجتماعية أو اقتصادية، وأن غالبيتهم مأجورون من قبل مجموعات سياسية باتت معروفة للقاصي والداني، لكن ذلك، لا يمكن أن يبرر البتة، مطلب الحماية الذي دعا إليه النواب أمس خلال مناقشة الفصل 120 من القانون الداخلي للمجلس التأسيسي، فمهما يكن من أمر هؤلاء المعتصمين، فهم ليسوا سوى جزء من شعبنا، وعلى النائب الذي يتجه إلى هذه الجهة أو تلك، التدرب على محاورة الشعب، والالتصاق الحقيقي بمشاغله، وليس استخدامه وتوظيفه، والصبر عليه خلال الحملات الانتخابية فحسب... إن الأصل في مهام نواب البرلمانات والمجالس التشريعية، هو الانصات لناخبي الأمس، والبحث عن صيغ لحلحلة مشكلاتهم، ولعب دور الوسيط مع السلطة التنفيذية (الحكومة أساسا)، لإيجاد مخارج لمآزقهم المختلفة، خصوصا وهذه الجهات خارجة للتو، من تداعيات ثورة لم تبق شيئا إلا قلبته، وكشفت عن عوراته، فإذا لم يسمع النواب، ولم يصبروا على "شعب الولايات المحرومة" بلا أدنى مزايدة ، فمن سينصت إليهم ويسمعهم ويصبر على "أذاهم"؟ نعتقد أن نواب المجلس التأسيسي أخطأوا أمس عندما عدلوا الفصل 120، بعد أن أضافوا كلمة (حماية)، ربما من باب التضامن فيما بينهم، لكنه تضامن ضد من؟ ! فهذا هو السؤال الخطير... ندرك صعوبة الأوضاع في الجهات، وتعقيدات مهمة النواب هناك، لكن هل اعتقد النواب والمصيبة أعظم هنا أن مهمتهم ستكون سهلة، وستقتصر على مناقشة القوانين والتصويت عليها، ومراقبة الحكومة وغير ذلك من أعمال المجالس التشريعية؟ ! الأدهى من ذلك وأمر، أن يطالب أحد النواب بصلاحيات (هكذا !)، بل وبمكتب في الجهة تكون معه رتبة "نصف معتمد"، بتعلة أنه يريد أن يحل مشكلات الناس عمليا، وليس مجرد الانصات لهم ! يكاد المرء لا يصدق... بالإمكان تفهم هذا المطلب جزئيا، خصوصا إذا تعلق الأمر بلامبالاة بعض المسؤولين الجهويين (الولاة والمعتمدون والجهات الأمنية)، لكن ذلك لا ينبغي أن يتحول إلى ذريعة لطلب الحماية.. وكان بوسع النواب المطالبة بتغيير هؤلاء المسؤولين، الذين ينتمي أغلبهم إلى الحزب المنحل، أو إلى أزلام وبقايا النظام البائد، وهم ما يزالون يديرون شؤون الجهات الداخلية بعقل قديم، وبنوايا أقل ما يقال عنها أنها ليست من سلالة الثورة واستحقاقاتها... على نواب المجلس مراجعة حساباتهم في علاقة بالجهات وأهلها، لأن هذا الملف "يحرق' من لا يحسن التعامل معه...