قد تكون بلادنا تحوّلت ومنذ فترة إلى ورشة مسرحيّة واسعة ومفتوحة. لقد تحولت كل حركة في كل لحظة تقريبا إلى مشهد مسرحي حيّ وأحيانا يكون أقوى حتى من أكثر المشاهد جودة بأكبر المسرحيات التي جادت بها قريحة مشاهير المسرحيين. لكن المشكل في المسرحية التي يجد التونسيون فيها أنفسهم يتقمصون أدوارا قسرا، أحيانا عن وعي ورغبة وأحيانا أخرى تختلط فيها الألوان والأشكال. فلا نستطيع أن نجزم بأن المسرحية من النوع التراجيدي أو هي من النوع الكوميدي فالتداخل بين النوعين والانتقال بين اللونين يتم بشكل سريع حتى لنشعر وكأننا في دوامة. إننا ننتقل من مشاهد موغلة في المأساوية حتى لنخالها قطعة خرجت للتو من المسرح التراجيدي الإغريقي إلى مشاهد كوميدية هزلية ومضحكة وأحيانا أخرى يكون نصيبنا مشاهد من المضحكات المبكيات هكذا بلا مقدمات. من المفروض أن لحظة انتصار الثورة الشعبية هي لحظة فارقة في تاريخنا المعاصر ومن المفروض أنها تقودنا إلى مرحلة تكون الرؤية فيها واضحة لكن الأمر لم يحدث كما توقع كل من اهتز فرحا لسقوط الديكتاتورية وها أن المسرحية تلوح طويلة وفصولها متداخلة ونهايتها لا تبدو واضحة. كان فصل انتقال السّلطة بشكل سلمي بعد أن سلّمت حكومة الباجي قائد السبسي الانتقاليّة أو المؤقتة مفاتيح الحكم للحكومة الشرعية الأولى المنبثقة عن انتخابات ديمقراطية وشفافة يعد بمسرحية خالية من التشويق وبالأحرى ستكون نهايتها سعيدة. لكن سرعان ما تغيرت الأمور فلا الحكومة الجديدة استطاعت أن تحافظ على النسق المتوقع لبقية الأحداث ولا باقي الممثّلين على السّاحة السياسية الذّين خرجوا منهزمين خلال الفصل الأهم للعرض أي فصل الانتخابات ينوون مغادرة الركح ليتركوا لمن يستندون اليوم إلى شرعية صناديق الاقتراع الساحة واسعة لممارسة السلطة كما يطلبون، أي بلا رقيب. التهافت على السلطة والصراع من أجلها يجعلنا نعيش على وقع فصول مأساوية وتراجيدية فعلا ذلك أنه وبدلا من أن يقع التفرغ لحل مشاكل ذلك الشعب الذي قام لأجل مطالب محددة تتمثل في الحرية والحياة الكريمة تجد هؤلاء الفاعلين على الساحة بشيبهم وشبابهم قد تفتحت عندهم شهية السلطة ولا هم لهم سوى الكراسي. إنهم يستنزفون طاقة هائلة. هذا في المناورات وذاك في التصدي لها بدون التثبت إن كان ذلك يتم على حساب وقت التونسيين وقوتهم. ما شأن هؤلاء الفاعلين في السلطة أو خارجها والطامعين فيها بغلاء الأسعار وما شأنهم بمئات الآلاف من العاطلين عن العمل الذين ازدادوا عددا وما شأنهم بالمؤسسات الاقتصادية التي تغلق أبوابها وما شأنهم بالمستثمر الذي يهرب إلى الخارج وبالأحلام التي تتبخّر وبالاستقرار الذي يلوح بعيدا إلخ... المهم بالنسبة لهم خوض الصراع بكل ما أوتوا من قوة من أجل الإبقاء على السلطة أو استرجاعها أو الوصول إليها, كل حسب وضعه وموقعه من الصراع. أما بخصوص الفصل الذي تدور أحداثه بالمجلس الوطني التأسيسي فإن الأمور تحيلنا على وضع يراوح بين المضحكات والمبكيات. صراع من أجل زعامة اللجان وكل ما يتعلق بالشأن الداخلي، وتهديدات ودعوة إلى تطبيق أقصى ما ينص عليه القرآن الكريم من أحكام على أعداء الدين وكأننا في حرب مقدسة ضد الكفر والكفار. صراعات متأججة وتحالفات مهددة بالانهيار وفلكلور وكتل تنسحب ثم تعود وأصوات ترتفع وأخرى تحتج وتندد أما الدستور الذي انتخب لأجله المجلس فتلك قضية مؤجلة وليست مستعجلة. المؤكد أن أحداث المسرحية تعد بأن تكون طويلة لكن من غير المؤكد أن يكون للجمهور ما يكفي من الصبر ليواصل الفرجة إلى ما لا نهاية.