ما من شك أن "دفء الثورة" باعتباره شعورا وطنيا حسيا لذيذا بالتحرر من ربقة نظام سياسي ديكتاتوري فاسد وقمعي لا يزال الانسان التونسي الى اليوم يستشعره في نفسه حتى بعد مرور أكثر من عام على قيام ثورة 14 جانفي التاريخية لا يمكن على أهميته أن يعوض حاجة هذا الانسان اليومية الى ضروريات العيش الكريم من مسكن وملبس ومشرب ودواء والتي تعتبر في حد ذاتها عنوان كرامته في وطنه وبين أهله... وما من شك أيضا أن حاجة المواطن لمثل هذه الضروريات انما تتأكد أكثر ما تتأكد في الحالات التي تقسو فيها الطبيعة أو تحل فيها النوائب والكوارث... ففي مثل هذه الأوضاع والحالات الاستثنائية يصبح متعينا استنهاض كل الارادات الوطنية الرسمية والشعبية من أجل الأخذ بيد ضعاف الحال والتخفيف من معاناتهم وتقديم الاعانات لهم... موجة البرد القارس التي تجتاح هذه الأيام عديد المدن والقرى في ولايات الشمال الغربي خاصة... وتواصل تساقط الثلوج بعديد المعتمديات مثل عين دراهم وساقية سيدي يوسف وتالة وغار الدماء وفرنانة وغيرها... وما نتج عنها من أوضاع معيشية صعبة حتى لا نقول مأساوية لدى متساكني بعض هذه المناطق مثل ندرة المواد الغذائية الأساسية وانقطاع الطرقات وغلق المدارس وتعطل الدروس تستدعي كلها تحركا سريعا وأفعالا لا أقوالا... صحيح أن مصالح التجهيز بمختلف الولايات لا تزال تتدخل بما توفر لديها من تجهيزات لفتح الطريق وازاحة طبقات الثلج الجاثمة على صدر الطرقات والمسالك الريفية البائسة والتي بلغ سمكها في بعض المناطق 90 سنتمترا أحيانا... وصحيح أيضا أن بعض السلط الجهوية تجتهد من أجل ضمان وصول المحروقات والمواد الغذائية... وأن هناك عملية امداد وتوزيع مساعدات عاجلة على العائلات المحتاجة والأكثر عرضة للتأثر بالظروف المناخية الصعبة الناجمة عن تواصل موجة البرد... ولكن كل هذا على أهميته لا يمثل في حد ذاته حلولا جذرية على اعتبار أن المسألة في عمقها لا تتمثل في مجرد موجة برد ظرفية طارئة يجب التحسب لها وتوفير وسائل مجابهتها وانما في حالة فقر وتهميش جهوي موروثة يجب أن نعمل كمجموعة وطنية على القطع معها والقضاء عليها... وذلك لا يكون الا بواسطة التمكين للبرنامج الاصلاحي التنموي الذي جاءت به الثورة والمضي به قدما من خلال الانصراف الجاد للعمل والانتاج والقطع مع ظاهرة الاضرابات والاعتصامات و"شعارات" الترف السياسي...