- ما زالت الأوضاع عصيبة في عين دراهم «المنكوبة» منذ أسبوع.. ومازالت الطبيعة تنذر جهات الشمال الغربي ومرتفعات الوسط الغربي «بالويل والثبور».. فلون الثلج الأبيض فقد رمزية طهره ونقائه في تلك الربوع المنسية واستحال إلى كابوس أقضّ مضجع الأهالي وعمّق جراحهم. فكأن سنوات التهميش والإقصاء لم تكن كافية لوحدها لتعرية عورات الكيل بالمكيالين للنظام البائد ومؤسساته التي مارست أبشع سياسات «التفقير» للجهات الداخلية التي ظلّت بعيدة على الخطط التنموية.. والصور التي تناقلها الإعلام والمواقع الاجتماعية المختلفة كعمل ميلودرامي يوثق عمق المأساة و»يفضح» مدى إجرام العهد البورقيبي ومن بعده النظام النوفمبري في حق شريحة هامة من التونسيين كما كانت شاهدة على عقود من النسيان قد لا تكفي معونات عاجلة مهما كان حجمها للنهوض بها تنمويا واقتصاديا فالمشكل يحتاج الى هيكلة شاملة بتصورات جدية. .. وهذه الصور التي صدمتنا وأبكتنا وأثارت حنقنا هي في النهاية انعكاس لصورتنا بكل تشوّهاتها.. انعكاس لعجز الحكومات المتعاقبة وتقصيرها في إنصاف ضعاف الحال والمحتاجين الذين استغلهم المخلوع للتسويق السياسي لنظام مجرم وجائر اجتماعيا وسياسيا تحت عناوين جوفاء وباسم «إسعاف» مناطق الظلّ و»معجزات» صندوق التضامن.. ولئن استغلتهم الأحزاب في صحوتها اللاحقة لثورة المحرومين لاستدرار تعاطف الرأي العام ونيل «الشرعية» الشعبية من خلال زخم تعاطفي مصطنع فإن الأزمة الراهنة أثبتت أن «مدة صلوحيته» انتهت بموعد الحسم الانتخابي.. فاليوم لا «المنتصرون» ولا «المنهزمون» وجدنا جحافلهم توجهت -كما في الحملة الانتخابية- إلى المناطق المنكوبة ولا دموعهم التي ذرفت «تملّقا» للشهداء -لنيل الكراسي التي جاءت على حين غرّة- تذرف بنفس تلك الحرقة على أحياء «طمروا» تحت الثلوج وانتهكت إنسانيتهم سياسيا وهدرت كرامتهم وهم ينتظرون في أكواخهم البدائية هبات القلوب الرحيمة من أبناء شعبنا الطيّب. الحكومة بدورها كانت حلولها متأخرة كعادتها -بل إنها مازالت شبه غائبة في بعض الجهات- معوّلة على الحلول «الترقيعية» وليست الجذرية وماعدا زيارة حمادي الجبالي التي لم تتجاوز تخوم ولاية جندوبة تبدو عين دراهم معزولة سياسيا في غياب لأي سلطة فعلية محلية أو جهوية. ذلك ما كشف خللا بيّنا في الأداء والتنسيق بين الهياكل مركزيا وجهويا حيث غاب الانسجام وطغى الارتجال.. ورغم الهنات البارزة فان الإنجازات «الوهمية» للحكومة أصبحت تسوّق عبر المواقع الاجتماعية من قبل أنصارها وباستعمال الصور المفبركة وهو مغالطة كان يفترض الترفّع عنها لأن النقد في النهاية طريق للإصلاح.. أمّا الوهم فإنه لن يصنع البالونات الهوائية. ورغم أن العالم الافتراضي كان بوابتنا للحرية فقد تحوّل اليوم إلى حلبة صراع سياسي تتبادل فيه الاتهامات و»تشرّع» فيه المتاجرة بآلام الناس.. فيتسابق «الافتراضيون» للحصول على أكثر الصور تجسيدا للمأساة مع جدل عقيم حول مجهودات الحكومة الجبارة لتطويق الأزمة لتكون في النهاية جعجعة دون طحين.. والحصيلة..خصوم افتراضيون..حشد افتراضي..نقاشات افتراضية.. حلول افتراضية.. وشعب بمأساة حقيقية...