أثارت عملية بئر علي بن خليفة مخاوف كبيرة لدى الشارع التونسي خاصة بعد توقيف 12 عنصرا من الجماعة المسلحة وفرار 9 آخرين وذلك بعد مقتل شخصين. وقد أعلنت الداخلية على لسان وزيرها حجز أسلحة (25 بندقية كلاشنيكوف و2500 رصاصة)، مؤكدة أن نوايا هذه الخلية هي إقامة إمارة إسلامية في تونس، كما أن من عناصر هذه الخلية من تلقى تدريبات في ليبيا أثناء الثورة الليبية. وعلى ضوء هذا الوضع و بعد إيقاف العديد من الأشخاص وبحوزتهم أسلحة في مناطق متفرّقة طرحت العديد من التساؤلات حول مصير الفكر الجهادي في تونس خاصة أن العديد من الأخبار والمعلومات التي تم تداولها تؤكد أن أغلب العناصر التي تبادلت النار مع الجيش والحرس الوطنيّين في أكثر من مكان أو التي كانت بحوزتها أسلحة هي من منتسبي هذا الفكر (السلفي الجهادي). فهل يمكن القول إن هذا الفكر قد مرّ نحو مرحلة «العسكرة «القائمة على مبدإ التغيير بقوة السلاح؟ « وقود الصراع» يقول الدكتور محمد الصالح مولى أستاذ الحضارة في جامعة صفاقس والذي كان قد تناول في رسالته في الدكتورا فكر السيد قطب وعلاقته بالإخوان:» أعتقد في البداية أن 'الإسلاموية' أوكل ممثلي الطيف الإسلامي المعاصر في العالم مصدره الفكر الإخواني الذي شهد نزعة قطبية (نسبة للسيد قطب) أنتجت وعيا إسلاميا فيه نوع من البعد العقائدي الذي يرى ضرورة تطهير المجتمع من الرجس الذي تغلغل فيه . فالخطاب القطبي هو خطاب متمرّد. أما عن الإسلام الجهادي والذي لم يأتنا من التوجّه القطبي أو الإخواني بل من صراع سياسي بين الاتحاد السوفياتي سابقا والولايات المتحدةالأمريكية إبان الحرب الباردة وبعدها في افغانستان خاصة - والتي كانت بدورها جزءا من الصراع -حيث برز الفكر الجهادي بقوة .» انتكاسة ويتابع محدثنا قائلا:» لقد بطلت فاعلية الإسلام الجهادي مع سقوط الاتحاد السوفياتي و نتج عنه تشتّت لتنظيم القاعدة في الصحراء وفي المناطق الجبلية الأفغانية حيث أصبح مقترنا بمجرّد عمليات إرهابية هنا وهناك... يبدو هذا التنظيم قد انتشر في الظاهر لكن في ذلك دليل على تشتّته وهو في حالة ذوبان. فالتنظيم الجهادي القائم على الفكر الجهادي في تونس أو غيرها من البلدان هو تنظيم معسكر في الأصل لأن القيمة الجهادية هي المنطلق والمسعى. كما انه يفتقر إلى وجود أدبيات تؤسّس لفكر واضح ولا يضمّ منظرين لهم كتابات بل اقتصر دعاته على الخطابات التي لا تنتج إلا التعبئة والجمهرة ولا تنتج فكرا. عموما لا وجود لفكر عقلاني في الإسلام الجهادي.» لا أمل له ويرى الدكتور محمد الصالح مولى أن هذا الفكر لا أمل له في تونس رغم الأحداث التي شهدتها بلادنا في «بئر علي بن خليفة» وغيرها حيث يقول:»هذا الفكر هو بمثابة الموضة في جو سياسي متوتر وفوضى عارمة. كما لا مستقبل له على المستوى العقائدي أو حتى المجتمعي ومآله الزوال عما قريب فهو من زبد الثورة يمكن أن يتلاشى ولذلك لا يمكن الحديث عن عسكرته أو سيره نحو التسلح والتسليح.» لا للحل الأمني بدوره يقول الدكتور محمد شقرون أستاذ في الحضارة :»لا يمكن للتنظيم الجهادي أن ينجح في بلادنا بأي حال من الأحوال. كما أن الحل الأمني لا يكون السبيل للتعاطي معه لأنه سيفتح بابا للكثيرين وهو باب التعاطف مع الجهاديّين بل سيجعل منهم شهداء إن قتلوا على حد تعبير منتسبيه، والحل الوحيد هو تطبيق القانون بمحاسبة حاملي السلاح دون رخصة وإشهاره في وجوه الأبرياء. إن التعامل مع الفكر السلفي الجهادي لن يتم إلا بالقانون كما أسلفت فإذا كان الفرد متطرفا فكريا فلا بد من مقارعته بالمناظرات والجدل الفكري والعلمي الشرعي؛ أما إذا كان تطرفا عمليا عبر السلاح فالواجب تطبيق القانون في شأنه. جمال الفرشيشي
باحث مصري يؤكد السلفيّون في تونس يصعدون في صمت أكد الباحث المصري ماهر فرغلي في دراسة قام بها عن السلفية في تونس :»بإطلالة سريعة سنجد «السلفيين» يصعد تيارهم في هدوء وصمت نظرا لقوة خطابهم الذي يجذب الجماهير المتدينة، فضلا عن رفضهم العمل السياسي، وبالتالي إراحة الجماهير من عنائه وويلاته في الصدام مع السلطات، والنتيجة كانت لصالحهم في عهد بن علي رغم الدولة البوليسية التي تحشر أنفها في كل ما يخص ما هو إسلامي.» ويتابع :»وتجد الأفكار السلفية قبولا بين بعض فئات الشباب التونسي المتعلّم الذي يتعامل مع الأنترنات، حيث ينشط السلفيون التونسيون على المواقع الاجتماعية خصوصا (فيسبوك)، حيث لا ينظمون أنفسهم داخل تيار معروف له زعاماته وناطقون باسمه، لكن تجمعهم حواراتهم على الشبكات الاجتماعية بالأنترنات والعلاقات الشخصية. إن الجيل الجديد من السلفيّين التونسيّين لم يسمع عن شيخ السلفية التونسية الإدريسي، ويتعلق بمشايخ من مصر والخليج ويتابعهم عبر الفضائيات الدينية التي ساهمت بقوة في نشر الفكر السلفي في تونس.» جمال
بين الأمن والجيش و الشعب توافق مطلوب لإجهاض التطرف أوضح وزير الداخلية علي العريض أن محاولة تهريب الأسلحة التي تم إحباطها في أكثر من مرة تأتي ضمن سلسلة من المحاولات والعمليات المماثلة هدفها تخزين الأسلحة بالبلاد التونسية لاستعمالها في الوقت المناسب في تنفيذ مشروع إقامة الإمارة السلفية. كما بين أن تلك الأنشطة لم تكن تستهدف القيام بعمليات إرهابية محدودة أو الاعتداء على بعض الأشخاص بالذات أو بعض المنشات. إن توافق جميع مكونات المجتمع المدني حول عزل ظاهرة «السلفية الجهادية» في ثوبها المسلح سيفشل أي مشروع متطرف يهدّد أمن البلاد .وقد واجه هذا الفكر رفضا شعبيا في الكثير من المناطق. الفرشيشي
النقاب.. الزواج العرفي.. طرد السفير السوري.. ختان البنات.. الدعاة «فن» إلهاء الشعب عن مشاكله الحقيقية باتت القضايا الأساسيّة التي تشغل اهتمام معظم التونسيّين والتي كان يجب على الحكومة إيلاءها الاهتمام الأكبر مهمشّة مقارنة بمواضيع أخرى أصبحت تمثّل محور نقاشات في وسائل الإعلام والمواقع الاجتماعيّة وفي الأماكن العامّة. وقد اعتبر بعض متتبّعي الشأن السياسي أنّ هناك محاولة لتحويل وجهة اهتمام التونسي عن أمّ القضايا التي قامت على أساسها الثورة. فعوض الاهتمام بقضايا التشغيل باعتبار أنّ عدد العاطلين عن العمل فاق ال800 ألف، وعوض العمل على إيجاد حلول جذريّة للنهوض بالقطاع السياحي الذي يمثّل ركيزة أساسيّة من ركائز الاقتصاد، وجد معظم التونسيّين أنفسهم أمام نقاشات هم في غنى عنها. فمسألة ارتداء النقاب داخل الجامعات شغلت اهتمام الرأي العام لأكثر من شهر. ثمّ حلت قضيّة نسمة التي مثلت محور اهتمام معظم وسائل الإعلام ومتتبّعي الشأن السياسي بما فيهم أعضاء الحكومة والمجلس التأسيسي الذين لم يتخلفوا عن الإدلاء بتصريحات بشأن هذه القضيّة. وأثار تصريح وزيرة شؤون المرأة سهام بادي حول حريّة الزواج العرفي استنكار العديد من متتبّعي الشأن السياسي الذين وجدوا أنفسهم «مجبرين» على الخوض في هذه المواضيع، «حفاظا على حريّات المرأة ومكتسباتها»، عوض تكريس اهتمامهم بأعمال المجلس التأسيسي وحثه على التسريع في وضع دستور للبلاد. ويشار إلى أنّ الوزيرة نفت في البداية هذا التصريح ثمّ سرعان ما ذكرت أنّها كانت تستعدّ للسفر عندما اتصلّت بها الصحفيّة، «ما جعلها تتسرّع في إجاباتها»، على حدّ قولها. اِهتمام بالخارج! وفي الوقت الذي يعاني فيه أهالي منطقة الشمال الغربي من أزمة الثلوج التي أدّت إلى وفاة 9 أشخاص وتشرّد عدد آخر من المواطنين على إثر سقوط منازلهم بالإضافة إلى فقدان الأهالي لأهمّ مقوّمات الحياة الأساسيّة، وجدنا الحكومة مهتمّة بالشأن الخارجي وتحديدا السوريّ تاركة مجال الاهتمام بالشأن الداخلي للجمعيّات. وقد أثار قرار طرد السفير السوري ردود فعل متباينة، فانقسم الرأي العام إلى مؤيّد ومعارض. وانتظمت يوم الجمعة قبل الماضي مسيرة سلميّة تؤيّد قرار رئيس الدولة بطرد السفير، ولم يقع التعرّض إلى هذه المسيرة من قبل قوات الأمن. وفي اليوم الموالي مباشرة، نظم أعضاء جمعيّة المعطلين عن العمل اجتماعا جماهيريّا بمقرّ بورصة الشغل تحوّلوا على إثره إلى شارع الحبيب بورقيبة ففوجئوا بحضور مكثف لقوات الأمن التي اعتمدت الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، مما جعل البعض منهم يقول: «ساند الحكومة في قراراتها تصبح وطنيّا وحجّة معتمدة لتبرير قراراتها، خالف الحكومة وطالب بحقوقك تجد نفسك معرّضا للعنف». موقف متأخر! وفي الأثناء، تعيش تونس إقبالا متواصلا من قبل «الدعاة». ولكلّ داعية «حكاية» مع تونس: الأوّل عمرو خالد الذي وصف نساء تونس سابقا ب»العاهرات». والثاني وجدي غنيم الذي يدعو إلى «ختان البنات». والثالث محمد العريفي الذي يزور تونس قريبا وعرف بدعوته للبنت إلى عدم مجالسة أبيها إلا بحضور أمّها, ومازال الرابع والخامس.. هذه الزيارات تساهم في تحويل وجهة اهتمام التونسيّين وخلق نقاشات بينهم تكون حادّة أحيانا مثلما حصل على إثر زيارة وجدي غنيم الذي اتهمّ من عارضوا مجيئه بالعلمانيّة ووصفهم ب«الكفّار» قائلا: «موتوا بغيظكم». وتمّ ذلك في ظلّ صمت تامّ من الحكومة التي لم تندّد بذلك سوى على إثر تصريح عدد من المحامين برفع قضيّة ضدّ الجمعيّات السلفيّة التي استضافته باعتبار أنّ المساجد هي دور مخصّصة للعبادة وليست فضاءات للحثّ على التباغض والكراهيّة والدعوة للعنف. كلّ هذه الأحداث حوّلت وجهة اهتمام التونسي عن المواضيع الأكثر أهميّة: فأين هو الدستور الذي انتخب على أساسه المجلس التأسيسي؟ أين هي أموال التونسيين بالخارج؟ أين هي الشخصيّات الصادرة في حقّها بطاقات جلب؟ متى يصدر الحكم النهائي في حقّ أفراد عائلتيْ المخلوع والطرابلسيّة؟ ماهو مصير الشركات المصادرة؟ إضاعة للوقت داخل التأسيسي! يرى نعمان الفهري عضو حزب آفاق تونس في المجلس التأسيسي بأنّ هناك إضاعة للوقت داخل المجلس التأسيسي. ومن جهتها، أكدت آمنة منيف رئيسة حركة «كلنا تونس» ل«الأسبوعي» أنّ هناك تحويلا لوجهة اهتمام الرأي العام التونسي، قائلة: «نحن نحمّل الحكومة الحاليّة مسؤوليّة الانحراف عن القضايا الأساسيّة وعدم الاهتمام بمسار التنمية واستحقاقات الشعب التونسي خلال هذه المرحلة الانتقاليّة». وذكرت منيف أنّ ما يحدث اليوم خاصّة فيما يتعلق باستقبال الدعاة من شأنه أن يكون له انعكاس سلبيّ ويكون تمهيدا لدستور لا يتماشى مع الوفاق الوطني وأهداف الثورة. وقالت منيف ل«الأسبوعي»: «إنّ المجلس التأسيسي هو الهيكل الأكثر شرعيّة في تونس وعليه التسريع في وضع دستور للبلاد خاصّة أنه مرّ أكثر من ثلاثة أشهر على انتخاب أعضاء المجلس». خولة السليتي