هناك من عبّر عن استغرابه من عدم توجيه الدعوة بالقدر الكافي للأحزاب السياسية و منظمات أخرى حقوقية وجمعياتية بحكم أن الموضوع لا يمكن معالجته تحت مظلة رؤية او توجه سياسي أحادي المنظور بل يتطلب تناولا لطرح مختلف الرؤى الفكرية حتى يكون للإختلاف معنى بعيدا عن ساحة الخلافات سيّما في ظل ما تشهده الساحة السياسية من تجاذبات غريبة عن ديننا و تقاليدنا ليس فقط بين إسلاميين و علمانيين بل حتى ببروز مجموعات متشددة دينيا و تشكيل كتل أطلقت على نفسها اسم المعارضة بداخل المجلس التأسيسي، ليطرق الخوف باب كل تونسي جرّاء تطور ظاهرة التكفير و تيارات تميل الى العنف السياسي. وقد كان موضوع كيف نجابه العنف السياسي عنوانا للّقاء الذي انعقد مؤخرا بصفاقس بتنظيم من المؤسسة العربية للديمقراطية و فرع صفاقس الجنوبية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بحضور كل من محسن مرزوق و عميد كلية الآداب بمنوبة الحبيب كزدغلي و رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق عبد الستار بن موسى. الامين العام للمؤسسة العربية للديمقراطية الأستاذ محسن مرزوق تحدّث عن ضرورة تناول موضوع العنف السياسي من الناحية الحقوقية الصرفة و التعامل معها من هذا المنظور حتى لا تتحوّل المسألة إلى مجال تسييس و أضاف الأستاذ محسن مرزوق انه بعد الثورات تتحول المرحلة إلى مجال مفتوح للعنف، و الناشطين و الفاعلين السياسيين في مراحل الإنتقال الديمقراطي يجدون انفسهم في مواجهة مع هذه المسألة و تونس مقارنة بالشعوب الاخرى لا تحمل ثقافة العنف لكن في نفس الوقت وجب ضبط الامور بعيدا عن الخطابات المتفائلة مضيفا و حيثما استطاعت النخب أن تتعالى في ظروف معينة عن مصلحتها السياسية المضيقة فستحقّق النجاح. العنف على مستوى الخطاب كان محل تحليل من قبل الأمين العام للمؤسسة العربية للديمقراطية الذي وصف شبكات التواصل الإجتماعي بشبكات التشاتم الإجتماعي معرّجا على بروز خطابات من نوع جديد على الساحة على غرار الخطاب التكفيري لا الموجّه فقط للعلمانيين مثلما يقال لكن حتى في صلب الجماعات الإسلامية ذاتها بحكم أن الديمقراطية كنظام سياسي وُجدت لإدارة التناقض، هذا إلى جانب الخطاب التخويني المبني على فكرة المؤامرة و خطاب التأثيم الأخلاقي الذي اعتبره عنف حقيقي و اعتداء على الحريات الفردية و مسألة العنف المادي على غرار ما وقع في كلية منوبة لتعوّض اللكمة السياسية الكلمة السياسية . و في خضمّ ما تشهده عديد الاطراف من تهديدات مختلفة كإعادة لإنتاج الخوف من جديد فإن مرزوق دعا إلى فكرة ميثاق ضدّ العنف و الأخلاق العامة و الحياة السياسية توقّع عليه كل الاحزاب و من ثم بعث هيئة تحكيم بعيدا عن إقصاء دور الحكومة معتبرا في ذات الإطاربأن الأطراف التي سمّت نفسها بالمعارضة قد استعجلت هذه التسمية داعيا إلى ضرورة تفعيل مجتمع مدني قوي و مبادرات فعلية لإيجاد الحلول بعيدا عن منطق التخوين و الإتهامات واصفا بعض الاطراف في الحكومة بأنها نجحت في اختزال تجربة 23سنة لحكم بن علي في ثلاثة أشهر». الحرية تحمى بالقانون الأستاذ الحبيب كزدغلي عميد كلية الآداب بمنوبة تحدّث عمّا تشهده الاجهزة من تفكك بداخل الدولة و ولادة فضاءات و مواقع جديدة مرشّحة لان يتواجد بداخلها العنف و من موقعه كباحث في تاريخ الجماعات الاثنية و الدينية أضاف عميد كلية الآداب بمنوبة موضّحا كون العنف يتوفر على جانب الضغط المادي و غير المادي بهدف توجيه إرادة أو فعل مجموعة أو شخص قائلا بأنّ «الأساتذة اليوم أصبحوا عرضة لآلات التصوير و التسجيل كأداة ضغط و ابتزاز لتُفرض عليهم بعض المواقف و في ذلك عنف و الأطراف التي تدعوا إلى التدخل بالحسنى في بعض المسائل هي ليست مخولة لذلك». في مداخلته أضاف الأستاذ كزدغلي كون العنف توسّع اليوم ليهدد النقابات عن طريق مجموعات جانبية مؤكّدا أنه لابد من ضرورة التنبه إلى ظاهرة العنف و عدم تبسيطها و اقترح بأن الأساس يقوم على احترام القوانين و بان الحرية في جميع المجالات تُحمى بالقانون و لابد من تفعيل الهيآت و عدم تحقير المؤسسات القائمة. ميثاق وطني ينبذ العنف وتحدّث رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد الستار بن موسى عن ظاهرة العنف السياسي من مقاربة حقوقية وعبّر عن قلقه عمّا تشهده تونس عقب الثورة من تعدد أشكال العنف المسلّط على المؤسسات التربوية من مدارس و معاهد و كليات ليتوسّع مجال العنف إلى مؤسسات المجتمع المدني و بتوجيه أطراف في حزب حركة النهضة الإتهام لكل من الرابطة و الإتحاد العام التونسي للشغل و وصفهما «بالتسييس» مضيفا كون دائرة العنف في توسّع سيّما عقب الإنتخابات من خلال ما تمارسه بعض القوى التي وصفها»بالميليشيات» معبّرا عن الخوف من بروز ظاهرة «الإغتيالات» في مرحلة متقدمة في ظل ما اعتبره الأستاذ عبد الستار بن موسى من وجود «غياب قانوني و غياب إرادة سياسية متواطئة مع هذه الظاهرة و شريكة في العنف السياسي إضافة كذلك إلى غياب أجهزة الدولة مثلما تمت ملاحظته في سجنان من عدم توفر الامن». كما عبّر في مداخلته عن محدودية المجتمع المدني الذي اعتبره غير متأقلم مع المرحلة الديمقراطية وهو كسلطة مضادة لا يجب أن يكون مطية للأحزاب السياسية مضيفا كون الخطر اليوم يكمن في انتشار بعض الأفكار التي يروّج لها بعض المفكّرين من قبل أشخاص تتبنى الخطاب التكفيري و الدعوة إلى القتل ملاحظا بأن البعض من الشباب التونسي عبّر عمليا عن تبنيه تلك الأفكار دون استثناء الخطاب الحداثي الذي يمكن أن يتحول لعنف سياسي و في هذا الإطار اقترح ضرورة تجريم العنف السياسي و التنصيص عليه في الدستور عبر «صياغة ميثاق وطني» ينبذ العنف. الحقوقي نورالدين الفلاح و في إطار التفاعلات مع مسألة مجابهة العنف السياسي تحدّث عن العناصر المعرقلة للمسار السلمي للثورة التونسية من تدهور للحالة الإقتصادية و التدخل الخفي لبعض القوى الخارجية و حالة الإحتراق الداخلي التي يمكن ان تدمّر كل شيء. مستعرضا في هذا السياق السيناريوهات المتوقعة مستقبلا كالدخول في نفق الإضطراب الاهلي أو إعادة إنتاج الشمولية و ضرورة العمل على تحقيق عقد وقائي في إطار نبذ العنف و إيجاد مدخل لديمقراطية أفقية. الأستاذ المحامي المكي الجزيري وصف ظاهرة تنامي العنف نتيجة عدم خبرة الشعب التونسي بمعرفة المجال السياسي واصفا بروز تيارات سياسية تستثمر في العنف منتقدا في نفس الوقت عدم رغبة السلطة الحالية في تفعيل ترسانة القوانين الموجودة تجاه تنامي مظاهر العنف الذي هو بصدد التأسيس لمرحلة مقبلة أعنف. عديد المداخلات سيّما منها على المستوى التربوي و التعليمي تمحورت حول ضرورة الدعوة إلى نبذ العنف و التصدي لبعض الجهات التي تقوم بالدعوة إلى إقصاء فصول من مناهج التعليم و ضرورة القيام بتشخيص فعلي لمسألة العنف السياسي. يبقى السؤال المطروح و الذي يستوجب الإهتمام هو إلى أي مدى تتّجه ظاهرة العنف السياسي نحو التفاقم و ما ستنتجه من صراعات بين السلطة السياسية و منافسيها و عدة أطراف تنادي اليوم بإضعاف مسار الحكومة و حتى المناداة بإسقاطها. باختصار فإن طبيعة التنظيمات و التفاعلات القائمة بين النظام السياسي و القوى المنافسة لها سيحدّد مدى العنف السياسي في المجتمع.