أثار إنزال العلم التونسي من على سطح كلية الآداب بمنوبة منذ يومين، واستبداله بعلم موشح بالسواد، الكثير من الجدل في الأوساط الإعلامية والسياسية والقانونية، وتسبب في نوع من التشنج الذي لا تبدو الساحة السياسية في حاجة إليه، فهي غارقة منذ عدة أشهر في قدر لا يستهان به من التوتر والإرباك، على خلفية مواقف ومقاربات وممارسات سياسية، من فئة الحبة التي سرعان ما يبني البعض بها «قبة»، ما زاد في أحيان كثيرة في «صب الزيت على النار» المولعة أصلا، في مشهد سياسي جديد، بأحزابه ومعادلاته والخطاب السائد فيه، والأطراف المتحكمة فيه.. والحقيقة، أنه كلما كان التيار السلفي خلف حادثة ما، إلا وانبرت بعض الأطراف السياسية، وبعض الأبواق الإعلامية، تمارس سياسة «تضخيم» الحادثة، بحيث تجعل منها بمثابة «البعبع»، وتنهال بالتالي نقدا وشتما وتحريضا، بل وعنصرية أحيانا ضد التيار السلفي، إلى حدّ أن البعض قال بعبارة واضحة في إحدى القنوات التلفزيونية، «نحن لا نتشرف بمن ينزل العلم التونسي، ولسنا بحاجة إليهم في تونس»، وهو ما يترجم حدة التشنج، وهيمنة خطاب التنافي الذي يمارسه السلفيون، ويضعه آخرون في مقدمة مواقفهم وطريقة تعاطيهم مع أي فعل يقوم به السلفيون.. ليس معنى هذا أن ما اقترفه شباب سلفي في حق العلم التونسي، عمل مقبول أو يمكن أن نغض الطرف عنه، أو أنه يستوجب الصمت، لكن المعالجة المتشنجة لا يمكن أن تنتهي إلا إلى نتائج متشنجة ومتسرعة والمقدمات الخاطئة منهجيا تؤدي الى نتائج خائطة تماما وهذا ما ينبغي ان تعيه نخبنا ومثقفونا ومكونات المشهد السياسي وزملاؤنا في كافة المنابر والمؤسسات الاعلامية.. فهل يمكن للمقاربة الامنية التي أنهكت البلاد على عهد الرئيس المخلوع، وخنقت الثقافة والاعلام والسياسة والمجتمع المدني والنخب والجامعيين، ان تكون الحل لمعضلةّ الملف السلفي»، كما يسميه البعض؟ وهل بالعقل الاقصائي الذي عانت منه جميع الأطياف منذ نحو أربعين عاما على الأقل، يمكن ان نعالج موضوع السلفيين؟ أليست دعوات العنف، مدعاة لعنف مضاد؟ هل ان الزج بهؤلاء الشباب في السجون، ينهي المشكلة، ويفتح البلاد على الديمقراطية حقا؟ لاشك ان توخي المنهج المتشنج واختيار المقاربة الامنية او الخيار الاقصائي للسلفيين، سيكون كمن يصب الماء على جرح غائر، فيزيد في تعفن الجرح، من حيث كان يرمي الى مداواته.. إننا امام مفصل تاريخي حقيقي، فإما أن نجعل بلادنا جامعة لكافة الأطياف وان نتخذ من الحوار أسلوبا للتعايش بين الجميع او إننا سنشعلها فتنة قد لا يتمكن « المسيخ الدجال» من إطفائها. في معركة الديمقراطية، ثمة شيء اسمه «العامل الزمني» و»سياسة المراحل»، والتحاور من اجل بناء مشترك وطني، هذا ما ينبغي ان ننتبه إليه جميعا، بعيدا عن أي مزايدات او تشنج أو إقصاء.. فبلادنا لا تحتمل أكثر مما هي فيه.