مثل الاجتماع التشاوري الذي جمع أول أمس وزراء خارجية تونس وليبيا ومصر مبادرة سياسية إقليمية قد تمهّد لمزيد تنسيق المواقف بشأن العديد من القضايا المشتركة. ولئن غلب على هذا الاجتماع الطابع الديبلوماسي في التعاطي مع بعض الملفات المعروضة فإن التحديات الجسيمة المطروحة أمام البلدان الثلاثة بعد الثورات الشعبية المتعاقبة وإنهاء مرحلة الاستبداد والقهر واستئصال رموز الفساد تستدعي تكثيف مثل هذه المبادرات والتركيز على قضايا جوهرية مثل التعاون الاقتصادي وتبادل اليد العاملة ورؤوس الأموال ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. لقد خلفت هذه الثورات المجيدة في كل من تونس وليبيا ومصر آثارا جانبية أبرزها الانفلات الأمني والتدهور الاقتصادي.. واستفحال البطالة وهي نتائج موضوعية لسياسات القمع والترهيب.. والحيف والتهميش لأنظمة ديكتاتورية مارستها طوال عقود. وللتعاطي مع هذه التحديات وغيرها يستوجب الأمر مثل هذه اللقاءات التشاورية وتثبيت دوريتها مع عدم اقتصارها على وزراء الخارجية بل تشريك وزارات أخرى ذات طابع اقتصادي وتجاري وأمني وتنموي والبحث في القواسم المشتركة لبناء اقتصاديات تكاملية وفسح المجال للقطاع الخاص للقيام بدور طلائعي في هذا الخصوص.. تعزيز التنسيق الأمني للحد من تهريب السلاح والبضائع والسلع حفاظا على الاستقرار.. وفتح الحدود أمام اليد العاملة للمساهمة في إعادة الإعمار وامتصاص نسب البطالة العالية جدا. إن «تركة» الأنظمة البائدة ثقيلة جدا حيث شمل الفساد والنهب جميع القطاعات وكرّست الولاءات والارتشاء والمحسوبية «عقليات» متكلسة مازالت تنخر العديد من مؤسسات القرار مما دفع بالكثيرين للتحذير من ثورات مضادة. وهذه «الحقائق» وغيرها تستدعي من بلدان الثورات العربية استحثاث الخطى لصدّها والقضاء عليها بمزيد التنسيق والتشاور وتوحيد المواقف والقرارات بشأنها.