جدت يوم الأحد الماضي أمام المسرح البلدي بالعاصمة حادثة تعد سابقة في سجل الأحداث التي هزت صورة البلاد وتتمثل في إقدام مجموعة من المشاركين في مسيرة «نصرة القرآن الكريم» على الاعتداء بالعنف اللفظي والمادي على مسرحيين أثناء تقديمهم لعروض تنشيطية في الشارع وصلت إلى حد تكسير وإتلاف بعض التجهيزات من بينها العرائس المتحركة فضلا عما أدخلته الحادثة من هلع وخوف وفوضى في صفوف المشاركين والحاضرين وعائلاتهم. مما يبيّن أن تداعيات المشهد السياسي على الرأي العام في طريقها إلى التصعيد أو ربما أدركت منعرجا حاسما يتنافى وأهداف الثورة التي وحدت كل التونسيين تقريبا من الشمال إلى الجنوب ومطالب المواطنة والمتمثلة في عدم كبت الحريات و«التعبيرات» الفنية الجميلة والهادفة وحفظ كرامة المواطن التونسي بما في ذلك حماية مورد رزقه والعمل على توفير ظروف عمل ونشاط أفضل. وقد حمل المسرحيون مسؤولية ما حدث إلى وزارة الداخلية لأنها منحت ترخيصين لتنظيم تظاهرتين الأولى احتفالية نظمتها الجمعية التونسية لخريجي معاهد الفنون الدرامية ومعاهد التمثيل وغيرها من الجمعيات والمؤسسات التابعة للقطاع تحت عنوان «الشعب يريد مسرحا» وذلك في إطار الاحتفال باليوم العالمي للمسرح التي تم الاستعداد لها منذ أشهر. والترخيص الثاني يتمثل في مسيرة نظمتها الجبهة التونسية للجمعيات الإسلامية وجمعية صاحب الطابع للثقافة الإسلامية لنصرة القرآن. هذا الجمع بين تظاهرتين مختلفتين في نفس التوقيت ونفس المكان وهو شارع الحبيب بورقيبة دفع عديد الأطراف إلى تحميل وزارة الداخلية مسؤوليتها الكاملة تجاه ما حدث خاصة وأن التظاهرة الاحتفالية تنتظم بالشارع وتحديدا أمام المسرح البلدي بالعاصمة وقد استقطبت جماهير من مختلف الأعمار وشارك فيها ثلة من أهل الفن الرابع من مختلف الشرائح العمرية من محترفين وطلبة وهواة. هؤلاء المسرحيون تعرضوا إلى اعتداء بالعنف المادي واللفظي والتهديدات من قبل مجموعة من السلفيين بثت الرعب والهلع في صفوفهم وفي نفوس متابعي العرض خاصة من الأطفال الصغار، هذه الحادثة أوضحت بما لا يدعو للشك ان المعتدين يستهدفون أصحاب الفكر والرأي دون سواهم لأنهم على ما يبدو يعتبرونهم مصدر الخطر الأكبر على أفكارهم وعلى تونس الدولة العربية المسلمة. «الصباح» استطلعت بعض المسرحيين حول هذه الحادثة فأجمعت المواقف على استنكار الحادثة رغم تباينها حول مسائل أخرى.
مسؤولية الدولة حماية أهل الفكر والإبداع
طالب عزالدين قنون الدولة بالقيام بواجبها لحماية المواطنين وخاصة الفئات التي بينت الأحداث والمستجدات أنها مستهدفة بدرجة أولى الابداعات الفنية والحرية والفكرية التي تعد إحدى أبرز مكاسب الثورة على اعتبار أنها تشكل مصدر قلق وتهديد لهم حسب رأيه وأكد على عدم الاكتفاء بالتنديدات فقط. كما أوضح: « أن ما حدث يعد تأكيدا صريحا للخطر الكبير الذي يحدق بالمثقفين والمبدعين و أن هذه الفئة ضد الجمال والفكر الحر والفن ويكفي ان اذكر باللون الأسود الذي يرفعونه ثم أنهم لا يؤمنون بالرأي المخالف بل يشكلون محملا سيئا لمشهد مسقط على حضارة وثقافة هذا البلد». وشاطر عزالدين قنون الآراء التي تعتبر أن تلك الظواهر والممارسات الفوضوية والعنيفة هي الطريق إلى الديكتاتورية المقيتة التي ثار ضدها الشعب وانتهت بانتصاره يوم 14 جانفي من العام الماضي. ودعا في المقابل المجتمع المدني وممثلي الأحزاب السياسية إلى ضرورة التحرك لوضع حد لمثل هذه الممارسات وإنارة الرأي العام وخاصة الفئات الشبابية المستهدفة في أفكارها وثقافتها.
«صنصرة» وجب التصدي لها
لم يخف الممثل والمسرحي عبد المنعم شويات استياءه من هذه الحادثة واعتبرها نوعا من «الصنصرة» في حق المثقفين والمجالات الفكرية والمعرفية وتعد خطرا على الفنانين ودعا الجميع إلى التصدي لها والحيلولة دون انتشارها واعتبر ما حدث جرما يتجاوز هذه الفئة ليشمل كل الأطراف والمجالات ذات العلاقة بحرية الرأي والتعبير بما في ذلك الإعلاميين والأدباء والمفكرين والشعراء وكل مواطن تونسي وخاصة المرأة. وحمل في المقابل مسؤولية ما حدث إلى وزارة الداخلية دون سواها حيث قال: «أستغرب كمواطن تونسي كيف تسمح وزارة الداخلية بمنح ترخيص ثان لتنظيم تظاهرة مختلفة في نفس الفضاء لجهات يتسم سلوكها ومثلما وقفنا على ذلك في عديد المناسبات بالعنف لا غير في نفس اليوم الذي ينظم فيه الشباب المسرحي احتفالية في شارع الحبيب بورقيبة تم الإعداد لها وضبط موعدها منذ أشهر».
خطأ عابر ومعبر
كما استنكر فؤاد ليتيّم ما تعرض له المسرحيون المشاركون في تظاهرة «الشعب يريد مسرحا» واعتبره مجرد خطإ عابر وجب أن يتوجس منه الجميع حتى لا تتكرر مناسبات بث العنف والتفرقة في الأوساط الاجتماعية وأنزل الحادثة في خانة ما هو محرم وعيب في حق كل تونسي وليس فقط أهل المسرح أو المشاركين في التظاهرة الاحتفالية. واعتبر أن ما ينادي به هؤلاء يهدد حياة الفنانين والمثقفين والعاملين في هذه القطاعات في مجالات تقنية وفنية مختلفة ذات علاقة بها لأن هذه الميادين هي مصدر رزقهم وعائلاتهم الوحيد..