أثيرت أمس خلال جلستي الاستماع بلجنة الحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي لكل من الأستاذتين إيمان الطريقي رئيسة جمعية حرية وإنصاف وسهام بن سدرين الناطق الرسمي للمجلس الوطني للحريات مسائل وصفت بالمفزعة والحساسة... من قبل أعضاء اللجنة لتواصلها بعد الثورة والتي ارتكزت بالخصوص حول قضية شهداء الثورة وجرحاها والسجون السرية والمنظومة السجنيّة بصفة عامة، إلى جانب قضية العفو التشريعي العام. إضافة إلى هذه الإشكاليات أثيرت قضية المفقودين التونسيين على اثر أحكام الإعدام وقضية الزطلة والمخدرات وكلها تنطوي تحت إطار واحد وهو تواصل منظومة الاستبداد والقمع بعد الثورة. المداخلتان تفاعل معها أعضاء اللجنة إلى حدّ التشنج في بعض الأحيان، فقد أكدت إيمان الطريقي على إمكانية وجود السجون السرية في تونس، وبالرغم من مطالب المجتمع المدني والتونسي بصفة عامة من التحقيق في هذه المسألة، فإن كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم تفتح هذا الملف على حد قول المتدخلتين.
تواصل الانتهاكات
كما أكدتا على تواصل ظاهرة التعذيب والإنتهاكات داخل السجون التونسية العلنية وكشف حقائق وصفت بالمثيرة والشنيعة في حق كرامة الإنسان وإنسانيته واستخراج الشهادات تحت طائلة التعذيب. فقد بينت إيمان الطريقي أنّ في هذه الفترة التي تحظى بالشرعية مازال البوليس يعتدي على المواطنين بالرغم من حالات التعقل ورغبة بعض رجال الأمن في الإصلاح وهو ما أكدته بدورها الحقوقية سهام بن سدرين مع إقرارها بأنه أقلّ حدة من ذي قبل، ولكنها في المقابل أوضحت أنه لم يقع القطع مع المنظومة الإستبدادية والذي من البديهي أن تتطلب متسع من الوقت وبالتالي يجدر البدء في هذه الإصلاحات لتحديد المسار الصحيح. من جهتها أطنبت الأستاذة إيمان الطريقي في الحديث عن قضية المفقودين التونسيين لأهمية هذا الملف وتأثيره على حياة عائلاتهم من جهة وكشف الحقائق من جهة أخرى والتي كانت نتيجة التعذيب أو الإختطاف أو أحكام الإعدام دون تسليم الجثث.
العفو التشريعي
وقد اتفقت الطريقي وبن سدرين في مداخلتيهما على ضرورة تفعيل قانون العفو التشريعي العام الذي يشوبه العديد من النقائص والمناداة بتفعيل الإجراءات بصفة عادلة بين جميع المعنيين به مع إعادة النظر في من يستحق التمتع بهذا القانون حتى تسترجع الحقوق لأصحابها. الأوضاع بالسجون التونسية كانت هي بدورها محور نقاش بين أعضاء اللجنة وضيفتاهم، إضافة إلى أسباب السجن التي تعود في بعض الأحيان إلى الإيقافات العشوائية التي شملت أطفالا وشبابا مما يستوجب مراجعة المنظومة السجنية وإيجاد العقوبات البديلة وفقا للمعايير الدولية الدنيا خاصة فيما يهم استهلاك مادة الزطلة والمخدرات مع أخذ بعين الاعتبار تفشي الظاهرة بصفة ملفتة في صفوف الشباب بعد الثورة وتنامي عمليات الترويج والتهريب عبر الحدود. كما أثارت الأستاذة إيمان الطريقي مسألة المقابر الجماعية والجرائم التي نفذت في حق العديد من التونسيين، إلى جانب دعوتها إلى فتح تحقيق حول أماكن تشريح الجثث واستقصاء الأوضاع بها مطالبة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وبقية مكونات المجتمع المدني بالقيام بزيارات فجئية للوقوف على حقيقة المسألة واللامبالاة والإنتهاكات التي تمارس في حق جسد الإنسان.
المفقودون
ونادى أعضاء لجنة الحقوق والحريات بتكوين لجنة خاصة تنبثق عن المجلس الوطني التأسيسي للنظر في القضايا المثارة أثناء النقاش إلى جانب دعوة وزراء الحكومة إلى فتح ملف المفقودين حيث دعت الحقوقية سهام بن سدرين إلى حوار شامل بين مختلف مكونات المجتمع التونسي لتحديد الإصلاحات المرجوة والعاجلة في ما يخص المنظومة السجنية والقضائية وملف الشهداء وجرحى الثورة. وقد أكدت كل من إيمان الطريقي وسهام بن سدرين أن التواصل والحوار مع السلطة المعنية كوزارتي الداخلية والحقوق والعدالة الإنتقالية منعدمان، فلا وجود لأي محاولات من قبل الحكومة للتفاعل مع الملفات التي وقع طرحها من قبل جمعية إنصاف وحرية ولا من قبل المجلس الوطني للحريات، وهو ما اعتبراه تعطيلا للجهود المبذولة نحو تفعيل مسار العدالة الإنتقالية الذي يمكن الحديث في إطاره حول مسألة المصالحة قبل المحاسبة والعقاب وكشف الحقيقة.