إن التحديات التي تواجهنا اليوم، في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا عديدة، وفي مقدمتها إعادة استتباب الأمن بكافة أوجهه، وتحريك عجلة الاقتصاد دفعا للتنمية والتشغيل وصياغة الدستور، ثم الإعداد للمواعيد الانتخابية القادمة. ولذلك فلا يكاد يختلف اثنان في أن المصلحة العليا للوطن، هي التي يجب أن تكون القاسم المشترك بين جميع التونسيين، بمختلف أطيافهم السياسية وتوجهاتهم ومعتقداتهم، سواء كانوا يعتبرون موقعهم على اليمين أو على اليسار أو في الوسط. وإن الرسالة القوية التي وجّهتها حركة «النهضة» للرأي العام الداخلي والخارجي، بتبنيها للفصل الأول من دستور سنة 1959، الذي ينص بطريقة لا لُبس فيها، على إسلام الدولة وعروبتها، إنما تُقرأ في هذا الاطار، وعلى المعارضات المختلفة أن تسجل ذلك، وأن تتعامل مع هذا التطور بصفة إيجابية. إن الانخراط في مسار توافقي هو الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامنا لتجاوز المرحلة الراهنة، ولبناء أسس الدولة الديمقراطية التي نريد. ويبقى الباب طبعا مفتوحا للجميع، إلا أمام من يختارون أن يقصوا أنفسهم بأنفسهم عن هذا المسار الذي يرتقي الى مصاف الواجب الوطني، كالسلفيين مثلا الذين ما فتئوا يعلنون عداءهم للديمقراطية ولحقوق الانسان، ويرفعون شعارات عدوانية وعنصرية بغيضة. وحتى هؤلاء أيضا لا يجب أن نوصد في وجوههم باب الحوار، وأن نحاول مجادلتهم بالتي هي أحسن، رغم سجنهم لأنفسهم في عصر غير عصرنا، وتمسكهم لا ب«الدين» كما يدّعون، وكما يعتقد بعضهم، بل بإيديولوجية محنطة تجاوزها الزمان، ورغم الخطر الذي تمثله أطروحاتهم على السلم الاجتماعية واللحمة الوطنية، بل وحتى على وجودنا كأمة، فعندما يتحدث هؤلاء مثلا عن «الجهاد»، فإن حديثهم لا لُبس فيه، رغم التعمية التي يريدون إحاطته بها، فهو يتوجه بالأساس الى مواطنيهم. ففي حديث لأبي عياض أدلى به مؤخرا للزميلة «الأسبوعي» أنكر هذا الأخير أن يكون السلفيون يعتبرون تونس أرضا للجهاد، إلا أنه ما لبث أن استدرك قائلا «لكل منطقة خصوصياتها ووقتها»، والأمر هو بالتأكيد زلة لسان، إلا أنها تمثل رسالة صريحة لا لبس فيها تغذي المخاوف. فالمسألة هي مسألة وقت وتوقيت لا غير، ولكن رغم كل ما سبق، فإن هؤلاء يبقون أبناء تونس، ولذلك فإن اليد يجب أن تبقى ممدودة نحوهم. وإن رفضوها فإنهم يكونوا قد أقصوا بذلك أنفسهم بأنفسهم، وآنذاك فإن القانون يجب أن يبقى الفيصل بين الجميع، وأن يعلو على أية حسابات حزبية وسياسوية.