كثيرة هي التصريحات والوعود بشان الإصلاحات المزمع اتخاذها من اجل إدارة ترتكز على مبدإ الحيادية عبر فصل دواليبها عن الدولة، غير أن البعض يعتبر أن التعيينات الأخيرة في سلك الولاة جاءت لتكرس بصفة واضحة مبدأ الولاءات والانتماءات الحزبية. والتي تندرج وفقا لبعض الملاحظين في إطار بسط الحزب الفائز بالأغلبية لنفوذه داخل المرافق العمومية تمهيدا للاستحقاق الانتخابي القادم. وهو ما يدفع الى القول بان حيادية الإدارة في الميزان وتتأرجح بين التجاذبات السياسية رغم أن الوزير المكلف بالإصلاح الإداري كان قد أعلن خلال لقاء انتظم حول «حيادية الإدارة أمام تعدد الأحزاب السياسية» أن «الإدارة في حل عن سيطرة أي أطراف حزبية مهما كانت». نددت النقابة الوطنية لمستشاري المصالح العمومية إثر بيان أصدرته عن قلقها إزاء الطريقة التي تمت بها بعض التعيينات في وظائف إدارية عليا سواء على المستوى المركزي أو الجهوي والتي ارتكزت وفقا للبيان «على ولاءات حزبية بما يتنافى مع مقتضيات البحث عن النجاعة في العمل الإداري ومع ضرورة تكريس مبدإ حياد الإدارة تجاه السلطة السياسية». كما عبرت النقابة عن استيائها من غياب مؤشرات إيجابية من قبل الحكومة لفتح باب الحوار الجدي والبناء وتشريك كافة الأطراف في وضع أسس متينة لإدارة محايدة وناجعة تقطع مع ممارسات الماضي.
فتح قنوات الحوار
وفي تصريح ل «الصباح» أوضح ميلاد عاشور رئيس النقابة الوطنية لمستشاري المصالح العمومية أن النقابة تطالب بتطبيق جملة من المعايير الموضوعية فيما يتعلق بالتعيينات مشيرا الى أن الإدارة لا تحكم بمنطق النوايا فيما يتعلق بالتعيينات فهي كإدارة تتعامل مع السلطة غير أن الإشكالية قائمة فيما يتعلق بالمعايير التي تم اعتمادها للتعيين .وأضاف عاشور أنهم كإداريين لا يشكون في كفاءة الأشخاص الذين تم تعيينهم وحتى انتماءاتهم ولكن شريطة أن تكون التعيينات وفقا لمعايير واضحة. فالتعيينات الأخيرة من وجهة نظره تفتقر الى معايير موضوعية واضحة لان جملة من المؤشرات تشير إلى أن الجزء الكبير منها ارتكز على الانتماءات الحزبية. وأضاف في السياق ذاته أنه في السابق كان 25 بالمائة من الولاة هم خريجو المدرسة الوطنية للإدارة أو من مراقبي المصالح الإدارية.واعتبر عاشور في نفس الاتجاه أن الإصلاح الإداري لا بد أن يرتكز على فتح قنوات الحوار عبر تشريك الأطراف الفاعلة حتى يتسنى إرساء ثقافة جديدة في التسيير العمومي تنأى عن التجاذبات السياسية.
تسبيق للولاءات
من جهة أخرى يعتبر إياد الدهماني (عضو المجلس التأسيسي عن الحزب الديمقراطي التقدمي) أنه يفترض في مرحلة انتقال ديمقراطي الالتزام بمبدإ حيادية الإدارة إلا أن الحكومة الحالية تحاول أن تفرض هيمنة من نوع جديد على أجهزة الدولة يبدو كأنه تعويض عن هيمنة التجمع.وأشار الى أن هذه التعيينات هي غير مقبولة خاصة أن مناصب الولاة هي مناصب حساسة وتمس كل مجالات الحياة في الولاية : النقل، الصحة وغيرها من المجالات..ومن شان هذه التعيينات أن تقلب موازين القوى لصالح الطرف الحاكم.وقال بشأن هذه التعيينات: «اعترضنا على هذه التعيينات وطلبنا مساءلة الحكومة بشأنها وسنواصل متابعة الأمر».مضيفا انه «كان من الأجدر تشريك الكفاءات التونسية أو أن تتم استشارتها على الأقل حتى يتسنى تعيين الموظفين على أساس الكفاءة غير أن ما نلحظه هو تسبيق للولاءات وتغييب للكفاءة». في المقابل يعتبر أحمد المشرقي (النهضة) أن حيادية الإدارة ولئن كانت تندرج في جملة مطالب الثورة والمؤسف انه يبدو أن هناك تراجعا عنها مضيفا أن الحيادية لا تعني بالضرورة أن يتنصل السياسي من انتمائه استنادا الى أن الحيادية تتجلى خصوصا في الأداء .وفسر في هذا الصدد أن وظيفة الوالي هي وظيفة إدارية ولكن لا مانع أن يكون له انتماء سياسي على أن يتنصل من هذا الانتماء فور دخوله ولايته. وخلص المشرقي الى القول بان مبدأ الحيادية ضروري ولا نقاش فيه فهو يؤشر لإدارة عصرية ديمقراطية ويبقى المطلوب التجرد من أي انتماء سياسي حال مباشرة أي مسؤول سياسي لمهامه.