إن الاحساس الذي تملكني وأنا أقرأ السطور الأولى من رسالة من كون لنفسه «اسما» وثروة طائلة، لا لشيء إلا لأنه «أخ ليلى»، أي المدعو بلحسن الطرابلسي، الموجهة الى الشعب التونسي، هذا الشعب الذي داسه بجزمته هو و«قبيلته» الموسعة، هو احساس بالتقزز والغثيان إزاء ما يفضحه مضمونها من صفاقة ورقاعة، أي ما نعبر عنه باللغة العامية من «صحة رقعة» لا تصدق. وهو شعور يعود إلي من حين لآخر، اثر الثورة كلما شاهدت رمزا من رموز العهد البائد أو «خدمه» من القضاة والمحامين والصحفيين وغيرهم، يمتطي حصان الثورة، محاولا اشتراء عذرية جديدة بشتى الوسائل، مفتقرا الى ما نسميه «ماء الوجه»، والأمر الملفت للنظر أن هؤلاء الأخيرين بدأوا يخرجون من جحورهم خلال المدة الأخيرة. من ذلك أنني شاهدت وأنا أكاد لا أصدق عيني أحد رموز بيع الذمة والانبطاح والتعامل مع المخابرات و«الغَرْف» من أموال وكالة الاتصال الخارجي من رجال الإعلام والرجولة منه براء مشاركا في مظاهرة يوم 9 أفريل وجريحا بفعل الاعتداء البوليسي والكاميرات تصوره وهو طريح الأرض!! ولكن فلنمر.. فرسالة بلحسن الطرابلسي أتت بعد مدة من رسالة أخرى شبيهة بها، أرسلها «أخ ليلى» الآخر المدلل عماد الى الرأي العام، هو أيضا تبرأ فيها على غرار «كبيره» من أي فعل مشين، وهو الذي كان الى جانب أفراد «قبيلته» رمزا من رموز الاعتداء السخيف، اعتداء الجهلة والمنحطين على قوانين البلاد في كافة أوجهها، اذ كانت سيارته وهي لمعلوماتكم من نوع «الهامر» لا تحمل وهذا ما شاهدته بأم عيني ولم يروه لي أحد رقما منجميا، بل كانت تحمل الأحرف الأولى من اسمه!! ومن هو على مثل هذه الدرجة من الاسفاف والانحطاط، فإنه قادر على أن يفعل كل شيء اطلاقا. وها هو اليوم بلحسن، على غرار «وخيه»، يشنف آذاننا بمعزوفة مساهمته في تدوير عجلة الاقتصاد وخلق مواطن الشغل، محاولا استبلاه الشعب التونسي الذي أهانه وأذله. فلئن كان كما يدعي ساهم بفضل «جهده المتواضع وشقائه وعمله الكادح، وما قام به من استثمارات من أجل اقتصاد بلاده»، كما يدعي في رسالته في خلق مئات مواطن الشغل، فكم من عشرات الآلاف من مواطن الشغل التي دمرها هو و«قطيعه» ومن ورائها تدمير آلاف العائلات، وكم من مؤسسات حطموها بفضل جشعهم «البدائي» بجريرة التهريب و«الكنترا» والمؤسسات الصغرى في صفاقس شاهدة على ذلك وكم من استثمارات أجنبية «هربها». إن من يقرأ الرسالة يحس وكأن «الراجل عامل مزية على البلاد». إن الصفاقة والرقاعة تبلغان هنا حدودا سريالية لا يصدقها أي عقل. نعم فصاحبنا كان ينتمي كما يقول «الى عائلة متواضعة.. درس في ظروف صعبة بتونس». فالفقر ليس عيبا وأكثر من ثلثي الشعب التونسي كان في نفس وضع عائلته في الفترة التي يحكي عنها، ولكن المشكل هو ان الفقر اذا تآخى مع الجهل وغياب القيم، ثم جاءته السلطة على طبق من ذهب في ظروف يعرفها الجميع، فإنه لا يولد الا الانحطاط في كافة ابعاده، وهو ما أقامت الدليل عليه «قبيلته» بطريقة لا لبس فيها، اذ لم تتورع حتى عن الاعتداء على تاريخ تونس، بالاستيلاء على مناطق أثرية تعود الى ثلاثة آلاف سنة الى الوراء، لتحويلها إلى أرصدة مالية في بنوك ما وراء البحار، عبر مضاربات عقارية درت عليهم المليارات. والسؤال الذي لم يجب عليه «أخ ليلى» هذا، هو كم كان رصيده في البنك قبل ان تتعرف ليلى على قيسها «الجاهل» هو وبقية «القطيع» الذي كان رأس حربته؟ إن الشعب التونسي العظيم الذي قام بثورته أساسا من اجل الاطاحة ب«دكتاتورية قطيعكم» لا يمكن ان تنطلي عليه مثل هذه الاكاذيب السخيفة، رغم ان بعض أيتامكم من رجال الاعلام وغيرهم، الذين تركتهم وراءك لما هربت ك«الجرذ» خلال الثورة، يحاولون الآن اشتراء عذرية جديدة لكم و«تحنين القلوب» عليكم، وليس في الامر ما يُستغرب اذا عرفنا انهم «أكلوا من خيركم»، أو بالأحرى من فتات موائدكم، اذ ما قد لا يعرفه البعض، أنه خلال عهد «كابو» قطيعكم، لم تكن تمنح أية رخصة لجريدة أو اذاعة أو تليفزيون، إلا لمن كنتم راضين عن «خدماتهم» الخاصة لكم جميعا. إن المحاسبة خصوصا لأمثالكم هي مطلب شعبي، ولن تجرؤ أية حكومة وأي حزب، ولو بعد عشر سنوات عن التخلي عنها، لأنها لو فعلت تكون بذلك قد خانت احدى الاستحقاقات الرئيسية للثورة واصبحت شريكة لكم في جرائمكم التي يعرفها الخاص والعام. ولئن كانت قد «ضربتكم الحيوط» اليوم، فاضطررتم الى مغازلة هذا الشعب الذي خذلتموه وأهنتموه وأذللتموه، فإنه يقول لكم «أحكيها لغافل» وابقوا حيث أنتم، فبطاقات الجلب الصادرة في حقكم ستفعل في يوم ما، وسيؤتى بكم حتما في يوم قريب كما هربتم، أي ك«الجرذان» على حد تعبير صديقك «القايد معمر»، لتحاسبوا على جرائمكم وتنالوا جزءاكم المستحق. وأكرر مرة أخرى الاعتذار للقارئ الكريم عن بعض التعابير التي استعملتها في مقالي هذا، ف«لكل مقام مقال»، وفي مقامنا هذا ليس هناك تعابير غيرها يمكن أن تؤدي المقصود.