نظمت المكتبة الوطنية بالعاصمة مؤخرا بالاشتراك مع معهد البحوث حول المغرب المعاصر والمركز الثقافي الفرنسي بتونس ندوة فكرية بعنوان بأي وسائل يمكن أن نفكر حول المجتمع التونسي اليوم. ندوة أمنتها المفكرة والفيلسوفة البولونية «بربرا كاسان» مديرة البحوث بالمركز القومي للبحث العلمي بباريس منطلقة من أهم ما جاء في كتابها «أكثر من لغة» الذي مثل محور اللقاء. حضت الندوة ثلة من الجامعيين الفرنكوفونيين والفلاسفة واللغويين الذين كان لهم رأي بعد المحاضرة بعد أن ألقت الجامعية الانتروبولوجية مريم عاشور كلمة في أول اللقاء وأبدت ملاحظاتها إزاء مؤلف «بربرا كاسان» السالف ذكره لتكون بمثابة تقديم عام للقاء. إلا أن الملفت للانتباه خلال هذه الندوة هو أن المفكرة البولونية المتأثرة بالفيلسوف الألماني «مارتن هايدغير» والمعروفة باعتمادها فن البلاغة في أطروحاتها ومؤلفاتها وبحوثها ( ترتكز أساسا على فلسفة اللغة) لم ترتبط بموضوع الندوة الذي وفق ما يشير إليه عنوانها يسعى إلى تفكيك الأدوات الفكرية التي يعتمدها المجتمع التونسي اليوم لأنها ببساطة لا تتقن اللغة العربية ولا اللهجة التونسية-وهو ما صرحت به-. المهم أن الندوة كانت عبارة عن إجابات عن العديد من الأسئلة الهامة على غرار هل ننشأ وسط لغة أو لغات؟ ما تعريفنا للغة الأم؟ ماذا لو أتقنا لغة أخرى؟ وإن كانت كل لغة من شأنها أن ترسم لنا عالما معينا ماذا عسانا أن نرسم من خلال لغات أخرى؟ تركت «بربرا» المجال للحاضرين للتأويل وتطبيق آرائها على المخزون اللغوي التونسي ناهيك أننا نتقن العديد من اللغات ونوظفها في حياتنا اليومية والعملية. كل ذلك تطرقت اليه المفكرة البولونية من خلال فلسفة اللغة التي ترتكز على دراسة التفكير البشري بناء على الرموز اللغوية التي يستطيع العقل تشكيلها.
لغتان على الأقل
استهلت «بربرا كاسان» كلامها بالإشارة إلى أهمية تعدد اللغات إلى جانب اللغة الأم في بلد واحد وهو حال البلدان الأوروبية. الأمر الذي مثل ثراء على مستوى تصنيف الكلام والمعنى المنجز خاصة أن اللغة في صورتها الدارجة أو المتكلمة تميل إلى التغير ومن الممكن أن تبتعد عن المركز. لذا والكلام لبربرا- يجب استعمال لغتين على الأقل لأن المفردة تحمل العديد من المعاني والدلالات كما أن الأصوات والتراكيب والعناصر النحوية وصيغ الكلمات ومعانيها معرضة كلها للتغير والتطور ولأن التجريد اللغوي عندما يحدث ينسى الإنسان العلاقة بين المفردات ويضيع علاقة التبرير فيستعمل لفظا استعمالا مغايرا عن الأصل. وتضيف المفكرة البولونية أن العديد من الكلمات أصبحت متداولة في سياقات مختلفة عما كانت عليه. وما الوعي بهذه الإشكالية اللغوية واستعمال لغات مختلفة إلا وسيلة لكسب طريقة مغايرة لتفسير الأشياء. وفي ذات السياق تحدثت «بربرا» عن معجم المفردات التي لا يمكن ترجمتها وتعني بذلك « قاموس الكلمات التي لا يمكن ترجمتها « الذي يتكون من آلاف المفردات والتعابير لتثبت أن المتكلم هو الذي يمثل الكلمة وليس العكس وأن المفردة ستظل تحمل العديد من الدلالات واستشهدت على ذلك بعدد من المفردات التي تحمل العديد من المعاني مشيرة أن الأمثلة في هذا السياق لا تعد ولا تحصى.
وضع اللغة العربية مغاير لوضع اللغات الأخرى
من جهة أخرى بينت «بربرا كاسان «أنها لا تفقه اللغة العربية وأنها لم تدرجها في بحوثها اللغوية الفلسفية لأنها لغة كتاب مقدس ألا وهو القرآن لعل ذلك يفسر من وجهة نظرها مثلا لماذا لا يستطيع العامي الانقليزي فهم اللغة التي نظم بها شكسبير قصائده في حين أن العامي العربي يستطيع أن يفهم قصائد المتنبي. كما أن مصطلح «لغة» في العربية أي ما يقابل» Langue « Langage « يعتبر في هذا السياق استعمالا حديثا. ولكنه لم يرد قط بهذا المعنى في أقدم النصوص العربية. فالنص القرآني لم تظهر فيه قط كلمة لغة ولم يستعمل إلا كلمة لسان.