بقلم: محجوب لطفى بلهادي في عرض تقييمنا لأداء العمل الحكومي طيلة المائة يوم المنقضية -ومن باب طمأنة أصحاب النفوس المولعة بنظرية المؤامرة- قد لا نحتاج إلى استعارة مقياس ريشتر لرصد مستوى الضغط الاقتصادي القياسي غير المسبوق الذي يعيشه المواطن اليوم بالاعتماد على النتائج المفزعة لسبر الآراء التي وقع تداولها أخيرا بل سنكتفي بتقديم جرد سريع لعدد من المؤشّرات الاقتصادية التي لا يختلف اثنان في كونها محرارا موضوعيا لقياس تطور أو تراجع مختلف الأنشطة الاقتصادية طيلة المائة يوم. فبمفردات الأرقام فقط تم تسجيل: نسبة نمو سلبية للناتج المحلى الاجمالى ب -2.2% نسبة تضخم في حدود 5.4 خلال شهر مارس المنقضي، تعود أسبابها وفق المعهد الوطني للإحصاء لارتفاع أسعار جلّ المواد وبالأساس أسعار المواد الاستهلاكية وغيرها... ارتفاع لنسق الواردات في الشهر الأول والثاني من هذه السنة بنسبة %25.3 مقارنة بنفس الفترة لسنة 2011 وما ترتب عنه من تزايد فى عجز ميزان المدفوعات انخفاض في مدخراتنا من العملة الصعبة لتصبح في مستوى 106 ايام مقابل 113 يوما في موفى السنة الماضية. بطالة في حدود 800.000 عاطل عن العمل والتي في طريقها -إن استمر الوضع على حاله- إلى بلوغ مليون عاطل منهم ما يناهز 230.000 من حاملي الشهادات ... أضف إليها مؤشرات تتعلّق بخطّ الفقر والتفاوت الاجتماعي ومستوى الدخل التي تشهد بالعين المجرّدة انحدارا خطيرا، وأخرى تسجّل حالة من التشنّج والتداخل لدبلوماسيتنا بفعل تعدّد مراكز القرار مع تراجع نوعي خطير للحريات العامة تزامنا مع ارتفاع صاروخي لأسهم المجموعات السلفيّة واتساع هامش حركتها... يبدو أن هذه المقاربة الإحصائية-البراغماتية للواقع غير ذات أهمية لبعض الأطراف التي تعتبر أن تقييم أداء الحكومة خلال مائة يوم هو من باب الإسقاط والاستنساخ مع سابقيّه الإضمار والترصّد لعرف سياسي تختصّ به حصرا الديمقراطيات العتيدة دون غيرها ة فمدّة مائة يوم لا تنسحب في تقديرهم على الحالة التونسية!! لنصوغ الإشكالية بطريقة مغايرة : إذا كم يلزم من الوقت للقيام بهذه العملية التقييمية ؟ حتما في حدود سنة 2016 حسب ما بشّر به المشروع الاقتصادي والاجتماعي !! فرمزية المائة يوم في تقييم أداء عمل أيّ حكومة في العالم ذ بما فيها حكومة لوك تاو الحالية ببوركينا فاسو - تتمثل في أنّها جاءت كإفراز لمنطق اقتصادي بعيدا عن كل توظيف سياسي، يستند بالأساس إلى نظام ثلاثية الأشهر زائد 10 أيام في قياس تطوّر المؤشّرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكبرى ومقارنتها بالثلاثية التي سبقتها مباشرة ، كما أن طبيعة الحكومة الحالية كحكومة انتقالية لإدارة الأزمة، تحتّم عليها اعتبار آلية التقييم بعد مائة يوم فرصة حقيقية تمكّنها من تشخيص نقاط الضعف العديدة ومن ثمّ التقاط هامش التّدارك الممكن قبل فوات الأوان. فتصريحات العديد من أعضاء الحكومة مرارا وتكرارا أنهم يعملون أكثر من 12 ساعة يوميا، تمكّننا من احتساب يوم عمل واحد لهذه الحكومة بيوم ونصف على الأقل، بذلك تكون حكومة الترويكا قد تجاوزت المائة يوم عمل بكثير دون وضع خطط واضحة ومستعجلة للحدّ من تداعيات العديد من الملفات الموقوتة كالتشغيل والارتفاع الجنوني لمؤشر الأسعار واستمرار عدد من وجوهها في الاستمتاع برحلة استكشاف الملفّات والفاسدين إلى اجل غير مسمّى!!... استنادا لأبجديات علم السياسة كان من المتوقّع والمفترض أن تكون تركيبة الحكومة مخفّفة تمكّنها من تحقيق انسجام أفضل بين أعضائها ومرونة اكبر في التعاطي مع الملفات إلاّ إنّ الجميع صعق بالعدد المرتفع للطاقم الحكومي في تعارض واضح لنهج التقشف التي وعد رئيس الحكومة بتوخيه، عدد مرشّح على ما يبدو للارتفاع بمسميّات مختلفة، كما كنّا ننتظر أن تتكوّن نواتها الصلبة من كفاءات حقيقية بمعايير الكفاءة وليس الموالاة والمحاصصة الحزبية، كفاءات تستجيب اوّلا لشرط الخبرة والتمرّس في الاختصاص ، وتوفّر خصال ذاتية في القيادة والتفاوض مع حد أدنى من المستوى الأكاديمي، مجموعة من العناصر غير متوفرة بالقدر الأدنى في الحكومة الحالية خاصة افتقار العديد من وجوهها لعنصر الخبرة. في المحصّلة -بعد أن عرفنا الحصيلة- ماذا تبقّى للحكومة من هامش للحركة والمناورة إلى حين موعد الانتخابات المقبلة؟ المهمّة تبدو صعبة للغاية إلا أنّها تبقى ممكنة إن تمّ تغيير البوصلة السياسية ب 180 درجة من خلال إجراء تعديل وزاري موسّع على قاعدة التوافق الوطني حول مجموعة من الكفاءات المستقلة لضبط الخيارات المستعجلة للفترة المتبقية ، توافق ينحت داخل قبّة المجلس الوطني التاسيسى لا غير من شانه أن يقطع نهائيا مع المزاج العام في الاستخدام المفرط للشرعية.