بعيدا عن البهرج والبساط الأحمر، الذي كان يرافق أغلب الاحتفالات السينمائية افتتحت الدورة السابعة للقاءات الدولية للفيلم الوثائقي بتونس في أجواء خيمت عليها الرغبة في اكتشاف الوقائع والحقائق من منظور فني رصدته كاميرا المشاركين في هذا المهرجان الخاص بالأفلام التسجيلية. وكانت التظاهرة قد افتتحت ليلة الاثنين 25 من أفريل الجاري بالمسرح البلدي بالعاصمة من خلال كلمة مديرة الدورة أمينة عزوز، التي عبّرت عن قلق السينمائيين على الوضع المتردي لقطاع الفن السابع في بلادنا مشيرة إلى أن عدد قاعات السينما الموزعة على كامل الجمهورية لا يتجاوز العشرة خاصة بعد إغلاق قاعة سينما الأفريكارت لتحيل الكلمة مباشرة لصاحبة شريط الافتتاح السينمائية سنية الشامخي التي كشفت أن التحضيرات الأولى لشريطها انطلقت في أكتوبر الماضي مضيفة أنها سعت في عملها لتسليط الضوء على الحملات الانتخابية لمرشحات بعض الأحزاب كما استعانت بآراء ومواقف نساء المجتمع المدني دون أن تنسى تحية منتج الفيلم لطفي العويني الذي قالت عنه أنه غامر في ظل الظروف الحالية وهشاشة القطاع السينمائي بإنتاج هذا النمط من الأعمال.
بين راضية النصراوي وسعاد عبد الرحيم
لم تكتف سنية الشامخي في شريطها «مناضلات» باستعراض الحملات الانتخابية لمرشحات الأحزاب والقائمات المستقلة في انتخابات 23 أكتوبر إبّان الثورة وإنما تجاوزت في مشاهد فيلمها هذه الأحداث الراهنة لتذكر بانجازات المرأة التونسية عبر فترات سياسية مختلفة منذ الاستعمار إلى سنوات الحركة الوطنية وفترة حكم بن علي. تناول الشريط بدايات المناضلات التونسيّات في مجال حقوق الإنسان وتطوير المجتمع المدني من خلال العودة لطفولتهن وكيفية تربيتهن من قبل العائلات التونسية التي تتميز في العقود الماضية بتحفظ أكبر خصوصا في جانب تعليم المرأة وخروجها لسوق الشغل. وضمّ الفيلم التسجيلي لسنية الشّامخي شهادات لمرشّحات القوائم الانتخابيّة على غرار ممثلة النهضة سعاد عبد الرحيم وراضية النصراوي عن حزب العمال الشيوعي وبشرى بالحاج حميدة ممثلة التكتل وغيرهن من النساء المناضلات والحقوقيات. وانتقد الشريط في طياته محاولات بعض الأطراف التعدّي على مكاسب مجلة الأحوال الشخصية كما نقل خوف نساء تونس من تعدد الزوجات واستعانت سنية الشامخي في هذه النقطة بآراء مناضلات النهضة حيث عبرت إحداهن عن تمسك كل نساء تونس مهما اختلفت انتماءاتهن الحزبية بحقوقهن التشريعية. الفيلم واصل مواكبة ردود فعل المرشحات لانتخابات المجلس التأسيسي حتى بعد صدور النتائج وكشف أن قانون التناصف في الانتخابات بين الرجل والمرأة لم يمنح النساء نسبة حضور جيدة.
صراع الكراسي
وحاولت صاحبة الشريط - رغم أننا لاحظنا في مشاهد الفيلم ميلها لتيار معين تقديم فرصة لكل بطلاتها بالتساوي للتعبير عن أفكارهن وأسباب انتمائهن لسياسات بذاتها فتحدثت سعاد عبد الرحيم عن ضرورة تمسك تونس بخصوصياتها الإسلامية العربية وهو موقف تعتقد من خلاله ممثلة حزب حركة النهضة أن كل التونسيين يشاركنها الإيمان به وعبّرت عن فوزها بالقول «ربحنا المعركة ولم تنتصر بذلك النهضة وإنما الشعب التونسي» ورغم أن فن المونتاج قادر في أحيان كثيرة على التأثير في الآراء إلا أن استعمال سعاد عبد الرحيم لكلمة «معركة» لم تستسغ من الحاضرين كما رفض كلامها في أكثر من مناسبة وكانت المشاهد التي تظهر فيها تؤدي إلى احتجاجات من الجمهور الحاضر في سهرة افتتاح اللقاءات الدولية للفيلم الوثائقي حتى أن شعار «ديقاج» رفع أكثر من مرة في وجه ممثلة النهضة على عكس المحامية ومناضلة حزب العمال الشيوعي راضية النصراوي التي قوبلت شهاداتها بالتصفيق والتهليل كلما ظهرت صورها وهي مصابة أو تهاجم شرطة بن علي أو ترافق التونسيين في مسيرات شارع الحبيب بورقيبة. من جهتها تحدثت الحقوقية سعيدة قراش عن حملات التشويه التي تعرضت لها جمعية النساء الديمقراطيات وشخصها كذلك مازحة بالقول أن منافسيها حين لم يجدوا ما يتهمونها به قالوا عنها إنها طلقت مرتين وبالتالي لا يمكن أن تكون نموذجا مثاليا للمرأة التونسية. واختتم شريط سنية الشامخي ومدته 75 دقيقة برأي المحامية بشرى الحاج حميدة التى انتقدت محاولة تشويه النخب واتهامهم بأبشع الصفات مشيرة إلى أن هذه الممارسات ليست من أخلاق المسلم بحق وأثارت مواقف بشرى الحاج حميدة التي تتسم بالسخرية الواعية من الواقع الراهن ضحكات الحاضرين وترحيبهم خاصة حين تحدثت عن عدم وعي التونسي بأهمية انتخابات 23 أكتوبر وجهله بأن هذا الحدث سيؤدي لإرساء دستور للبلاد وأنهت ممثلة التكتل في الانتخابات الماضية حديثها بأن النساء خسرن مقاعد المجلس التأسيسي لأنهن يحملن الكثير من الإنسانية ولم يفكرن في مجرد احتلال للكراسي. وللتذكير فإن مهرجان الفيلم الوثائقي بتونس الذي تنظمه مؤسسة ناس الفن لسهام بلخوجة، يتواصل إلى غاية 30 من أفريل الحالي وتقدم العروض في كل من المسرح البلدي وقاعة المونديال وتستقبل كالعادة مجانا روادها حيث يتميز هذا المهرجان بقاعدة جماهيرية عريضة منذ بداية تنظيمه وقد بلغ هذا العام دورته السابعة.