على عكس اعضاء فريقي الخلاف داخل حزب المؤتمر من اجل الجمهورية، يقف طارق العبيدي عضو المكتب السياسي للمؤتمر وعضو المجلس التأسيسي بين الغريمين موقف الوسط، موقف الناقد للطرفين.. ويحمل المسؤولية المباشرة في ما حصل ايضا للطرفين لكنه ينصف عبد الرؤوف العيّادي الذي لم يكن البادئ في إثارة الخلاف حسب رأيه. العبيدي معروف بهدوئه واتزانه والتحكم في انفعالاته وله رؤية خاصة للأزمة التي يتخبط فيها المؤتمر، وهو يرى في حوار خص به "الصباح" أن أزمة الحزب التي ادت إلى انشطاره إلى نصفين تعود إلى خلفية انتقاء الأسماء المرشحة لتقدم حقائب وزارية في الائتلاف الحكومي، وقال إن المؤتمر كان ضحية خياراته بعد الانتخابات. كما انتقد طريقة ادارة المرزوقي للأزمة التي لم تكن سليمة وكان عليه الضغط على «الشق الحكومي» للاعتذار للعيادي. في ما يلي نص الحوار: أرجعت أصل الخلاف بين شقين في حزب المؤتمر إلى الخوف المتبادل وعدم الثقة بين الطرفين.. الا ترى أن عامل نقص الخبرة السياسية والحزبية كان عاملا حاسما في اشعال فتيل الخلافات ورفض الحوار من الطرفين؟؟ أنا لا أعتبر أصل الخلاف بين الشقين عائد إلى الخوف المتبادل وانعدام الثقة بينهما، فالثقة كانت قائمة وهي الرابط الأقوى بيننا ولولاها لما عملنا لفترة طويلة معا. أصل الخلاف تم على خلفية انتقاء الأسماء المرشّحة لتقلد حقائب وزارية في الائتلاف الحكومي وطريقة اقتراحها. وهذا الخلاف لم يتم حله بطريقة سياسية ترضي الجميع وإنّما بطريقة فوقية وممن خاض المفاوضات مع الشركاء في الحكومة ودونما حتى اكتساب ثقة كتلتنا النيابية. بعدها اهتزت الثقة بين الشقين وتطورت شيئا فشيئا إلى تفاصيل ماسة باعتبار البعض من زملائنا في المكتب السياسي تمت على هامش المفاوضات وكان من الممكن تجنبها لو تم اقتراح المرشحين للحقائب الوزارية على عكس ما أوحت به تلك التفاصيل الهامشية. أنا لا أعتقد بأن الدكتور المنصف المرزوقي أو الأستاذ عبد الرؤوف العيادي تنقصه الخبرة السياسية والحزبية بل أعتبرهما من جهابذة السياسة في تونس. الأستاذ عبد الرؤوف العيادي يبرّر منحاه بالبادئ أظلم والبادئ لا يريد إلى الآن الاعتراف بتجاوزاته والاعتذار. لم يطلب أكثر من الاعتذار من الشق الآخر الذي عالج الموضوع بالأغلبية ضد الأقلية داخل المكتب السياسي وبوضع الأمانة العامة في ميزان حل الخلاف. الدكتور المنصف المرزوقي كان دائما يعلمنا بأنّ الاعتذار من شيم الكبار، فلماذا لم يعتذر الفريق الآخر حتى نتجنب ما نحن فيه اليوم وكفى المؤمنين شر القتال. الجواب تجده فقط عند الدكتور المنصف المرزوقي، لا أحد غيره يعلم بسرّ عدم الاعتذار. قلت أن منصب رئاسة الجمهورية كلف الحزب ثمنا باهظا ألا ترى أن المؤتمر كان ضحية نجاحه في الانتخابات واشعاعه رغم أنه فتي، وايضا ضحية الصراع على الكراسي والمحاصصة الحزبية داخل «الترويكا»؟ لا يمكن أن يكون المؤتمر ضحية نجاحه في الانتخابات. ورغم أنّ مبدأ الائتلاف مع التكتّل وحركة النهضة صحيح فإنّني أعتقد بأن المؤتمر ضحية خياراته بعد الانتخابات، فالرّئاسة كلفتنا فعلا الثمن الكبير والحزب الفتي في حاجة إلى استقرار قيادته، علما بأن استقرار حزب المؤتمر من أجل الجمهورية هو إضفاء للتوازن السياسي الذي تتطلبه تونس في هذه المرحلة وعدم استقراره يولد العكس وهو ما يتفق عليه الجميع الآن. والأمر لم يكن صراعا على الكراسي بقدر ما كان صراعا على طريقة اعتلاء الكراسي. هل تلوم المرزوقي على تخليه عن مبادئ الحزب او عدم قدرته على ادارة الأزمة التي تخبط فيها الحزب؟ ان كان كذلك فكيف كان يمكن للمرزوقي أن يدير الأزمة من اجل حلها؟ لا أعتقد بأنّ الدكتور المرزوقي تخلّى عن مبادئ الحزب فهو ليس من ذلك الصنف. ولكن طريقة إدارته للأزمة في اعتقادي غير سليمة فهو طبيب ويعلم بأن بتر الأعضاء يمكن أن يكون الحل الوحيد والنهائي في أمراض معينة ولكن بتر عضو من أعضاء الجسد يعني العيش بقية الحياة معاقا. فهل يرضى الدكتور المنصف المرزوقي للمؤتمر من أجل الجمهورية بهذا المصير؟ الوقاية والعلاج خير من البتر إلاّ إذا كان المقصود بالبتر زائدة دودية وهذا رأي آخر لم أسمعه من قبل. على الدكتور المنصف المرزوقي أن يحيي إدارة الأزمة من جديد متى لم يفت الوقت ويسير بها نحو اجبار الشق الآخر على تقديم الاعتذار للأستاذ عبد الرؤوف العيّادي وتقديم التنازلات الموضوعية من الطرفين والكف عن العمل بلعبة الأغلبية والأقلية داخل المكتب السياسي وعدم وضع الأمانة العامة تحت رحمتها. أنت من القلائل كما وصفت نفسك ممن لم يصطفوا وراء أحد من الشقين ؟ هل تعتبر ان كلا الطرفين يتحملان المسؤولية في ما حصل؟ نعم للطرفين مسؤولية مباشرة فيما حصل ولكن البادئ أظلم والأستاذ عبد الرؤوف العيّادي لم يكن البادئ. فبعد 11 سنة من الثقة المتبادلة لا بد أن يكون وطء البادئ بطعن تلك الثقة كبير. وعلى الدكتور المنصف المرزوقي أن يعي ذلك وعليه العودة إلى التفاصيل التي جرت على هامش المفاوضات بحضورنا جميعا وسيكتشف حجم الألم الذي ألحقه الشق الآخر بالأستاذ عبد الرؤوف العيّادي. ألا تعتبر ان ازمة المؤتمر كان يمكن تفاديها لو حصل الحوار بين الشقين منذ اندلاع ازمة الأمانة العامة؟ مشاغل وزرائنا في الحكومة ومستشارينا في القصر كانت عائقا كبيرا في بناء حوار جدّي في صميم الإشكال. والحوار بدأ متأخّرا وبلا تنازلات وتم بطريقة دفعت الأستاذ عبد الرؤوف العيادي إلى ردّة الفعل السلبية.